ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT

صلاة في التايم سكوير!

في ساحة التايم سكوير بوسط نيويورك أقام المئات الصلاة في منظر نراه للمرة الأولى. وبعيداً عن الجدل الذي دار حولها، إلا أنها تكشف من ناحية أخرى عن زوال الحساسيات الدينية وتقبُّل الأديان المختلفة والتعبير عن نفسها حتى في وسط المدن الكبرى المكتظة.
هذه روح العالم الجديد الذي نعيش فيه، حيث تختلط الأديان والأعراق والهويات في بلدان مختلفة، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بزوال الحساسيات الدينية القديمة وتبنّي القيم الإنسانية التي ترى الناس لا بألوان بشرتهم ولا عقائدهم، ولكن بقيمتهم وطبيعتهم الشخصية.
أجمل المشاهد في عصرنا الراهن نراها في المطارات المزدحمة والمدن المتنوعة، حيث لا أحد عملياً يسأل عن خلفياتك الدينية والعرقية. لو رجعنا قبل قرون أو حتى عقود قليلة، لكنا عالقين وربما مشاركون في حروب دينية دموية لأننا فقط وُلدنا لعائلات بأديان ومذاهب مختلفة! لكن المشهد تغير ومضت البشرية في طريق العقلانية والتعايش بلا رجعة.
ورغم أن المتطرفين ودعاة جماعة الإسلام السياسي رأوا في «صلاة تايم سكوير» مظهراً لاستعراض القوة والتمدد، فإن الدرس الذي نستمده منها مختلف، وهو أن ثقافة التعايش والتسامح والقبول هي أبرز ما يميز عصرنا الحالي، وهي التي سمحت لهذه المشاهد أن تحدث بسلام.
ولو تأملنا، فإن هذه الروح العصرية هي التي سمحت لملايين المسلمين بالعيش بسلام في هذه الدول من دون أن يتعرضوا للاضطهاد أو التمييز، بل إن بعضهم أصبحوا قادة في الجيوش والمؤسسات الكبرى ومنتخبين معبّرين عن صوت الشعب في الحكومات والبرلمانات.
ثقافة العقل والاندماج الإنساني الحقيقي هي عملياً ما يجب تطبيقه في غالبية الدول العربية التي لو تم فيها مثل هذه المظاهر لخلقت أزمات اجتماعية وسياسية؛ والسبب لذلك معروف وهو أن دعاة التطرف لغّموا المجتمعات بثقافة الكراهية لعقود طويلة وخلقوا انقسامات عميقة دينية وطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» على سبيل المثال استخدموا الدين في عمليات التجييش وسمموا عقول الملايين من أجل الوصول للسلطة فقط. ونراهم يتحدثون الآن لوسائل إعلام غربية بلغة معتدلة عن الديمقراطية والتعايش بهدف التسويق الشخصي، ولكن خطابهم وأدبياتهم ورؤيتهم للتراث تدعم الأفكار العدائية المسمومة التي لوثت العقول وشوهت نفسيات ملايين المسلمين.
لكن السؤال المهم، هل نقوم حالياً على تغيير كل هذا؟
في تقديري لا، رغم المحاولات، والسبب أن التعليم الديني حتى في المدارس الحديثة في غالبية الدول العربية يعتمد الرؤية التقليدية وحتى المستمدة من التراث الذي خلّفته جماعة «الإخوان» التي سيطرت على التعليم في غالبية الدول العربية بشكل شبه كامل. ورغم الحديث عن التغيير فإن هذا التعليم لا يركز على الجانب الإنساني ولا يغرس في الأطفال قيم التعايش والتسامح منذ البداية حتى تصبح جزءاً من تركيبتهم النفسية والعقلية وتسهل عليهم العيش في هذا العالم الجديد الذي نعيش فيه. فبدلاً كم أن يتعلموا الجانب الحضاري والتاريخي والإنساني والأخلاقي المتسامي في الدين الإسلامي يتم التركيز على الجانب الذي يجعل الصغار معزولين ذهنياً ويعيشون في الماضي، وهذا تماماً ما يحلم به المتطرفون. إذا لم تتغير نظرتهم للحياة ولأنفسهم من منظور إنساني وحضاري مختلف فلن يتغير شيء حتى لو عشنا في مدن حديثة، وستندلع الأزمات لأبسط الأسباب، كأن يمارس إحدى شعائره الدينية وسط الزحام!