وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

مستقبل العلاقات الخليجية ـ الأميركية

لعل أكثر التحليلات التي نسمعها في الأيام الماضية، كانت تدور حول العلاقات الخليجية - الأميركية في أعقاب الأزمة الروسية - الأوكرانية.
وكعادتهم، ينظر الأميركيون إلى العالم نظرة أحادية، ولا يفهمون العالم كما هو؛ بل كما يريدون أن يكون، وأتحدث هنا عن السيناريوهات التي تتردد بين أوساط المحللين والمثقفين هناك، والتي مفادها أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية تخلت عن الولايات المتحدة بسبب مواقف الرئيس جو بايدن.
وتركز الحديث على عدم رفع دول الخليج العربي إنتاجها من النفط لتهدئة الأسعار التي ارتفعت بصورة كبيرة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. هناك تعنت واضح في تفسير عدم رفع دول الخليج إنتاجها، بأنه محاولة منها لإرسال رسائل قوية إلى الولايات المتحدة. شخصياً، لا أرى هذه الرسائل التي يتحدثون عنها، ولكني أرى بوضوح أن المطلوب من دول الخليج أمر صعب جداً، ولن تستطيع هذه الدول تنفيذه. ولكن، قبل الخوض في المطلوب من دول الخليج، لا بد من التوضيح أن العلاقة بين هذه الدول والولايات المتحدة لا تزال علاقة طويلة الأمد واستراتيجية إلى حد كبير، رغم أن الولايات المتحدة حالياً ليست أفضل الحلفاء الذين يمكن الحصول عليهم.
الولايات المتحدة لم تعد الدولة التي تعرف ما تريد عند الحديث عن أمن الطاقة العالمي. فمن ناحية، ترغب الولايات المتحدة في أسعار وقود أقل، ولكنها ضد النفط ومنتجيه.
وبسبب السياسات العدائية التي تبنتها الولايات المتحدة مؤخراً والمستهدفات غير الواقعية للتحول الأخضر إلى الطاقة البديلة والوصول المبكر إلى الحياد الكربوني لم يعد هناك رغبة من المستثمرين في ضخ الأموال في النفط والغاز.
والآن وسط هذا الصراع الغربي - الروسي، يتوقع الجميع أن دول الخليج وتحالف «أوبك+» لديهم حلول سحرية لخفض أسعار النفط التي كانت مرتفعة أصلاً قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن دون فهم عميق لدور تحالف «أوبك+» الذي يضم روسيا ودول الخليج (باستثناء قطر)، يتوقع الجميع أن تخل دول الخليج بالتزاماتها تجاه التحالف، وأن تقوم برفع الإنتاج بصورة فريدة خارج الاتفاق الذي عقده التحالف.
ولا يمكن لدول الخليج بأي شكل كان من تعويض 8 ملايين برميل يومياً من النفط والمشتقات الروسية؛ ولهذا فإن المطلوب من دول الخليج صعب في الأساس، حتى لو أرادت هذه الدول خرق اتفاقها ضمن التحالف.
إن أي خرق للاتفاق هو بداية انهيار التحالف، وانهيار التحالف هو نهاية استقرار أسعار النفط والطاقة الذي نعرفه اليوم. ويجب على الحكومة الأميركية معرفة هذا الأمر؛ إذ لا يمكن النظر للمصالح والمكاسب السياسية قصيرة الأجل وإهمال مستقبل الطاقة. إن العالم يواجه أزمة في الغاز حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ بسبب سياسات الغرب المتقلبة ضد الوقود الأحفوري، وهذه الأزمة ستستمر. وبإمكاننا قول الأمر نفسه على النفط الذي سيظل سعره مرتفعاً ما لم تعُد الولايات المتحدة إلى التشجيع في الاستثمار في إنتاجه. ولولا ثورة النفط الصخري الأميركية لظلت أسعار المائة دولار للبرميل مستمرة منذ 2014 إلى يومنا هذا. إن المصالح طويلة الأجل بين الخليج والولايات المتحدة في مجال الطاقة لم تعد متناسقة. ومع هذا لا تزال دول الخليج تقوم بدورها وتستثمر في زيادة الإنتاج، ولكن أمن العرض يجب أن يقابله أمن الطلب، وهذا لم يعد متوافراً على الأقل من الغرب. وفي ظل هذه التغيرات ستظل دول الخليج والولايات المتحدة على غير وفاق، وليست السياسة سببه، ولكن نظرة السياسيين إلى النفط والغاز.