وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الرسائل النفطية السعودية

تختلف الرسائل التي تبعثها السعودية للسوق النفطية مع تغير الوقت والأزمنة والظروف. ولكل حقبة «دولة ورجال». وهذا يبدو واضحاً في كل خطابات الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة البترول سابقاً، ووزارة الطاقة لاحقاً.
وفيما يلي مخلص بتحليلي الشخصي عن أبرز الرسائل النفطية للوزراء الثلاثة الذين عاصرتهم بناء على خطاباتهم التي سمعتها.
نبدأ بعلي النعيمي الذي لم يكن من الأشخاص المحبين للإعلام، ولكنه من الأشخاص المدركين لأهميته. لقد جاء النعيمي بعد حقبة الراحل هشام ناظر، وهي حقبة مختلفة، خرجت منها «أوبك» من حرب أسعار، ثم فترة طويلة من أسعار منخفضة، تخللها حرب الخليج الثانية، والغزو العراقي للكويت. حاول النعيمي جهده إبعاد رسائل السعودية و«أوبك» عن السياسة حيث كان تكنوقراطياً بحتاً. تركزت رسائل النعيمي على أمور كثيرة، لكن أبرزها كان طمأنة السوق، لأن الطاقة الإنتاجية لـ«أوبك» في منتصف الألفية الثانية لم تكن عالية، ولم تكن هناك دول قادرة على الإنتاج غير السعودية. واجه النعيمي التشكيك المستمر في قدرة السعودية بسبب نظرية ذروة النفط التي كانت تقول إن السعودية وصلت إلى ذروة إنتاجها. وظل النعيمي يؤكد على أن الطاقة الإنتاجية السعودية عالية وفائضها حقيقي. ثم تغيرت رسائله مع ظهور النفط الصخري، وهنا واجه النعيمي أشد صراعاته مع الإعلام، لأن الحديث عن النفط الصخري في الولايات المتحدة يمس أمن الطاقة الأميركية. وفي الوقت الذي بدأ النعيمي الحديث عن التغير المناخي، أصبح التغير المناخي على أشده، ولهذا كانت رسائله حذرة حول موقف المملكة من هذا الأمر.
أما الوزير خالد الفالح، وهو تكنوقراطي آخر قادم من رئاسة «أرامكو السعودية» مثل سلفه النعيمي، وعلى الرغم من أنهما خريجو نفس المدرسة «الأرامكاوية»، فإن الفالح لم يستمر في نفس رسائل النعيمي. لقد تغير المشهد السياسي في المملكة مع ظهور «رؤية 2030» ولم يعد النفط هو الأساس، بل أصبح التحول لغير النفط هو المهم، وتم إضافة وزارة الصناعة لمهام الفالح، ما جعل رسائله عن النفط تجارية بحتة، ضمن إطار الدولة التي لا تنظر للنفط على أنه مستقبلها. بل كان يتحدث عن أهمية الدخول في شراكات مع الدول الأخرى والبحث عن مشروعات مشتركة. ثم تطورت الأمور مع الفالح بعد دخول السعودية في تحالف «أوبك بلس»، وهنا بدأ الفالح يتحدث عن التحالف أكثر من حديثه عن «أوبك». وأصبح التحالف وتشجيع الدول للدخول فيه هو الأساس. ومع الفالح، بدأ الانفتاح على عالم كبار تجار النفط وصناديق التحوط. وكان عندما يتحدث عن النفط، يخاطب السوق بناء على نظرة مالية فنية.
أما الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة الحالي، فهو من أقدم الشخصيات في «أوبك» حيث بدأ منذ منتصف الثمانينات مشواره مع وزارة البترول. وكان ملف التغير المناخي مسؤوليته. وما يميز الأمير عبد العزيز عن باقي الوزراء هو أنه عاصر ألاعيب الدول في «أوبك» أكثر من سلفيه النعيمي والفالح عندما كانت «أوبك» تجتمع لأسابيع، وكانت المماطلات هي عنوان الاجتماعات. وبسبب اطلاعه على قضايا المناخ منذ البداية، اكتشف حجم ألاعيب الدول، ولهذا في الغالب، تتركز رسائله حول «اللعب على المكشوف» دون اللعب بالكلمات والألفاظ. حتى حديثه عن النفط دائماً ما يصاحبه دفاع عن حق السعودية في الاستفادة من ثروتها النفطية. لم يكن النعيمي والفالح يكشفون ألاعيب الدول المستهلكة في حوار صادم مثلما يفعل الأمير عبد العزيز، الذي دائماً ما يستخدم الأرقام والأدلة للكشف عن صحة سياسة السعودية النفطية أمام الادعاءات المستمرة بأن منتجي النفط هم سبب ارتفاع الأسعار أو سبب تدهور المناخ. ولأنه رجل نفطي، فحديثه عن مستقبل النفط دائماً تفاؤلي، بدعم من إيمانه بأن النفط باقٍ، ودور السعودية باقٍ في استقرار سوق الطاقة العالمي.