مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

سوريا.. بعيدا عن دبلوماسية «القوى العظمى»

شهدت الأيام الماضية تطورات مثيرة على المستوى الدبلوماسي بين العواصم المؤثرة في العالم. من واشنطن وموسكو إلى لندن وباريس وأخيرا جنيف، حيث أبرم اتفاق سياسي حول الترسانة الكيماوية في سوريا لم يكن متوقعا قبل أسبوعين. وانطلقت تصريحات أهم المسؤولين لتتغير المواقف بين ساعة وأخرى فيما يخص اتخاذ قرار الحرب من عدمه. ولوهلة، انتقلت الأعين من النظر إلى معاناة السوريين في بلادهم وخارجها إلى قاعات فخمة تعقد فيها المؤتمرات الصحافية وتطلق عدسات الكاميرات بينما يحاول المحللون تفسير ابتسامات المسؤولين المتنافسين، مثل وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، وما تعنيه التطورات لدبلوماسية «القوى العظمى».
حاولت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تظهر الاتفاق حول الترسانة الكيماوية في سوريا بأنه نصر لسياسة «التهديد باستخدام القوة»، بينما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبرام الاتفاق دلالة على وزن روسيا وقدرتها على فرض إرادتها على الحكومة السورية وعلى المسرح الدولي بعد التلويح مرة تلو الأخرى باستخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن وعلى عدم أحقية قرار الحرب. وأما الحكومة السورية، فاعتبرت أن الاتفاق جاء «انتصارا» لسياستها بمساعدة «الأصدقاء الروس».
لكن بعيدا عما يفسر بـ«الانتصارات» الدبلوماسية، ما زال الواقع مريرا في سوريا ومعاناة شعبها مستمرة، بمختلف أشكالها. وبينما تكرر الإحصاءات، مثل مقتل أكثر من 100 ألف سوري ونزوح الملايين خلال عامين ونصف من الصراع، علينا التذكر دائما بأن وراء كل إحصائية رجلا أو امرأة أو طفلا دمرت حياتهم. وربما أضعف السوريين هم المجروحون من جراء العنف والمرضى، الذين لا يجدون من يرعاهم أو يقدم لهم أبسط المساعدات الطبية في أجواء الحرب وانعدام الأمن.
وفي رسالة مفتوحة ناشدت 50 شخصية عالمية مرموقة من الخبراء في الطب، من بينهم حائزون على جائزة «نوبل» للطب والعلوم، جميع الأطراف في النزاع السوري إعطاء فرصة لمعالجة الجرحى، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وإلى أي طرف ينتمون. وفي الرسالة، التي نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» الاثنين المصادف 16 سبتمبر (أيلول) حصريا باللغة العربية، أوضح المختصون بالمجال الطبي أن «سبعة في المائة من المستشفيات السورية دمرت، و20 في المائة أخرى أصيبت بأضرار بالغة، وتحولت مراكز الإسعاف المؤقتة إلى مراكز صدمة بكل معنى الكلمة، تعاني أشد المعاناة لمواكبة احتياجات المصابين والمرضى. هذا إلى جانب اعتقال ما يقدر بنحو 469 عاملا في المجال الصحي، واضطرار نحو 15 ألف طبيب إلى الفرار عبر الحدود. ووفقا لأحد التقارير، فقد كان في حلب قبل اندلاع النزاع خمسة آلاف طبيب، لم يبق منهم الآن سوى 36 طبيبا فقط».
الدمار الذي يعاني منه المجال الطبي في سوريا كارثة إنسانية حقيقية، يصفها المختصون بأنها على حافة «الانهيار»، وهناك المخاطر التي تلاحق أي شعب يمر بويلات الحرب التي لا تراها العين المجردة وغالبا لا تذكر. فبحسب الرسالة المفتوحة المنشورة «الشعب السوري معرض الآن لخطر انتشار الالتهاب الكبدي، والتيفود، والكوليرا، والديزونتاريا، في حين أدى نقص الأدوية والمستحضرات الطبية بالفعل إلى زيادة انتشار داء الليشمانيا الجلدي، وهو مرض خطير ومعدٍ».
وانتشار الأمراض المعدية، التي كانت سوريا قد قضت على أخطرها مثل الكوليرا والتيفود سابقا، يشكل خطرا على المنطقة كلها. وبينما يبقى الحل السياسي بعيد المنال في الصراع المتأزم، بإمكان الدول المؤثرة على الحكومة وأطراف المعارضة في سوريا، أن تضغط من أجل حماية العاملين في مجال الصحة بالإضافة إلى منح الأمم المتحدة ومنظمة الهلال الأحمر وغيرها من منظمات إنسانية الدعم المطلوب لإسعاف أكثر السوريين ضعفا. وهذا أضعف الإيمان.. وسيكون نصرا لمن يحتاج النصرة حقا.
(يمكن قراءة الرسالة المفتوحة على الرابط http://beta.aawsat.com/home/article/3360)