احتل البحث عن اسم «سايمن لفايف»، على محرك «غوغل» المرتبة الأولى في الآونة الأخيرة، تلاه البحث عن اسم «آنا ديلفي»، واسمها الحقيقي آنا سوروكين.
الاهتمام بهذين الاسمين يعود بسبب تسليط «نتفليكس» الضوء عليهما، من خلال وثائقي عن النصاب الإسرائيلي سايمن لفايف، تحت عنوان «The Tinder Swindler» أو «نصاب تيندر»، ومسلسل قصير بوقائع حقيقية، لقصة المحتالة الألمانية آنا سوروكين.
هذان العملان سجلا أعلى نسبة مشاهدة. وجاء الوثائقي عن لفايف الذي مدته ساعة و45 دقيقة، على رأس قائمة الأعمال المشاهدة على منصة «نتفليكس». وبعد أسبوعين من عرضه احتل مسلسل بعنوان «Inventing Anna» أو «ابتكار آنا» المرتبة الأولى أيضاً، لتصبح هذه النصابة حديث العالم، وبدأت المقارنة بينها وبين لفايف؛ خصوصاً أن هناك صفة مشتركة بينهما، وهي الدهاء والنصب والاحتيال، وعيش حياة رغيدة على حساب الآخرين.
سايمن لفايف شاب إسرائيلي يفتش عن الحب على موقع «تيندر» الشهير للباحثين عن المواعدة والقيام بعلاقات عاطفية، ويوهم الفتيات بأنه وريث أهم رجل أعمال صاحب أكبر شركة ألماس، ويواعد حسناوات يوهمهن بأنه ثري جداً، ويقوم بدعوتهن على متن طائرات خاصة. تقع الفتيات في شباك حبه، وتبدأ قصة النصب. كيف؟ من خلال طلب المال من إحداهن لصرفه على الأخرى، وهكذا دواليك. ماذا يستفيد؟ يعيش حياة مرفهة، سفر، أكل في أهم المطاعم العالمية، أغلى ثياب، قيادة أغلى سيارات، ولكن في الواقع سايمن لا يملك فلساً واحداً، ولا حتى مسكناً باسمه.
أما بالنسبة لآنا، فهي في منتصف العشرينات من العمر، توهم أهم البنوك في نيويورك بمشروعها الذي يحمل اسمها، وتستطيع إقناع أهم المصرفيين المتمرسين في المدينة بأنها وريثة ألمانية اسمها «آنا ديلفي»، وتأتي من عائلة فاحشة الثراء، تعيش حياة الرفاهية بكل مفرداتها، تستقل الطائرات الخاصة، وتنزل في أهم فنادق العالم، وتأكل في أهم المطاعم، وتلبس أجمل وأغلى الأزياء، وهي في الحقيقة ابنة رجل فقير يعيش في ألمانيا، وهي في واقع الحال من دون مسكن.
اللافت في القصتين المتشابهتين اللتين تنافس بهما النصابان على المرتبة الأولى في النصب والاحتيال، هو أن المشاهدين ينشدون هذه القصص، والتفاعل معها يصب في مصلحة النصابين، وليس إلى جانب الضحايا الذين لا يزالون يدفعون ديونهم، وبعضهم خسر وظيفته ومسكنه.
والغريب أيضاً هو أن الإعلام يجمِّل صورة النصب، فعلى الرغم من أن سايمن وآنا تم القبض عليهما وسُجنا لفترة من الوقت، فإن الإعلام تهافت عليهما، وجعل منهما نجوماً: سايمن وقَّع عقداً في هوليوود، ويواعد عارضة أزياء رائعة الجمال، أما بالنسبة لآنا فقبضت ثمن قصتها مبلغاً قدره 320 ألف دولار أميركي، وهي اليوم حرة طليقة.
كلاهما غير نادم على سلوكه السيئ، وعلى النصب والاحتيال والإساءة لضحايا وضعوا ثقتهم بهما، كلاهما سيحققان ثروات في المستقبل على حساب تعاسة الغير، وكلاهما يعتبران أنهما لم يسرقا، إنما هما مدينان بالمال.
العملان على «نتفليكس» هما صورة حقيقية للحياة الافتراضية التي نعيشها من خلال مراقبة الغير على حساباتهم الجذابة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر من أكثر الأسباب لتعاسة المتفرجين الذين يصدقون حياة اصطناعية وافتراضية، واقعها غير ما تبدو عليه.
وكلا العملين يضرب على وتر الرفاهية المزيفة تماماً، مثل تلك التي ابتكرها «المؤثرون» الذين يؤثرون على شيء واحد، وهو الصحة العقلية للمتفرجين الذين يصفقون، وبالوقت نفسه يغارون ويقلدون.
سايمن وآنا هما وجهان لعملة مزيفة واحدة، الإعلام يصنع منهما نجوماً ونحن نصفق.
8:2 دقيقه
TT
«نتفليكس» تصنع منهم نجوماً... ونحن نصفق!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة