قدم أكثر من 4.5 مليون موظف استقالتهم في الولايات المتحدة الأميركية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأقدم آخرون في كندا ودول عديدة حول العالم على الخطوة نفسها. فبحسب وزارة العمل الأميركية وخبراء في مجال التوظيف فإن ظاهرة الاستقالات الجماعية مستمرة.
تسمية «الاستقالات الجماعية» ليست دقيقة جداً لأنها أقرب لتكون «إعادة تقييم جماعية»، وإعادة النظر في طريقة العيش والتعريف الخاطئ للنجاح وتقييمه على حساب الحياة الشخصية للفرد.
تزامنت هذه الظاهرة غير المسبوقة مع جائحة كورونا وطريقة العيش الجديدة التي فرضها الفيروس على الموظفين والشركات، فمعظم الأشغال التي لا يتحتم على القائمين بها الوجود في المكاتب نجحت في العمل من المنازل وبإنتاجية تفوقت على نظام العمل الطبيعي، وغيرت الناس بشكل عام، وخلقت أسلوباً جديداً للعيش والعمل.
العولمة ووتيرة العمل المتسارعة التي فرضت نفسها علينا في السنوات العشر الأخيرة حولت الكثير منا إلى آلات تعمل باستمرار لتنسى حياتها العائلية والخاصة، لدرجة أن فكرة تحول المكتب والزملاء فيه إلى عائلة صغيرة نعيش معها أكثر من عائلاتنا الحقيقية أصبحت حجة تعششت فينا وسيطرت على أذهاننا إلى أن جاءت الجائحة ونفخت صافرة الإنذار لتوقظ كثيرين من الموظفين الذين أفرطوا في ساعات العمل على حساب حياتهم الشخصية.
المتعارف عليه عالمياً هو العمل على مدى خمسة أيام في الأسبوع، وهذا العرف تم العمل به في المملكة المتحدة لأكثر من قرن، ولكن وفي ظل التغييرات التي طرأت على طريقة العمل وإعادة النظر في ساعات العمل وكيفية أدائها فهناك اختبارات جارية حالياً، وإذا نجحت فقد تحدث تحولاً جذرياً. فالاختبار مبني على تقليص أيام العمل لأربعة أيام بدلاً من خمسة وبالراتب نفسه.
فيقول نشطاء إن أسبوع العمل لمدة أربعة أيام يجلب مجموعة كاملة من الفوائد، ويساهم في معالجة مشكلة البطالة والصحة والرفاهية وحتى أزمة المناخ.
فبحسب الباحثين فهذه الصيغة الجديدة تعطي الموظفين وقتاً أطول للتعافي قبل العودة إلى العمل ويكون لديهم المزيد من الوقت لقضائه مع العائلات والأصدقاء.
وبحسب «فور داي ويك غلوبال» القائمة على بحوث من جامعة كامبريدج وأكسفورد وكلية بوسطن ومنظمة «أوتومي» للأبحاث فإن هذه الصيغة الجديدة للعمل تتحلى بالكثير من المزايا التي تنعكس فوائدها على الفرد وصحته العقلية وصحته بشكل عام ونشاطه وإنتاجيته، بالإضافة إلى مزايا أخرى تتعلق بالبيئة حيث سيتقلص عدد السيارات في ساعات الذروة بشكل مهول وبالتالي ستنخفض انبعاثات الكربون بما يصل إلى 127 مليون طن (في المملكة المتحدة)، وفقاً لمنظمة بيئية بلاتفورم لندن وحملة العمل لأربعة أيام في الأسبوع.
الإغلاق الذي رافق الجائحة دعا عدداً كبيراً من الموظفين إلى إعادة تقييم التوازن بين العمل والحياة الخاصة، واليوم مع عودة الحياة إلى شبه طبيعتها، وبعد أن شجعت الحكومة البريطانية الشركات على دعوة موظفيها للعودة للعمل من المكاتب، طرح الموظفون الكثير من الأسئلة على أنفسهم، فبعد عامين من العزلة والعمل من مطبخ المنزل أو غرفة النوم وعدم التواصل الشخصي مع الآخرين سيكون لقرار العودة وقع صعب على البعض الذين اعتادوا على أسلوب عيش وعمل مختلفين. العمل من المنزل لا يقلل من الإنتاجية على الإطلاق لا بل يقوم الموظف بأداء عمله على أكمل وجه من دون الحاجة لتضييع الوقت في المواصلات والتكلم مع الزملاء الآخرين والاجتماعات... ولكن تبقى هناك أسئلة عديدة أخرى، فهل يجوز التخلي عن المكاتب وتحويل المنازل إلى مكاتب؟ الجواب قد يكون «لا»، والسبب هو أن الإنسان كائن لا يستطيع العيش بوحدة وعزلة، والخروج من المنزل يكون مفيداً ولكن هذا لا يعني أن العمل المفرط من المكتب هو الحل.
الجائحة كانت بمثابة درس وإنذار لنا جميعاً، وقد يكون هذا هو السبب لتبني الشركات مبدأ العمل الهجيني (بين المنزل والمكتب) والقيام بتجربة العمل أربعة أيام بدلاً من خمسة، لأن الإنتاجية لا تعد بالأيام وإنما بالنوعية.
8:2 دقيقه
TT
الاستقالة من حياة ما قبل «كورونا»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة