مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

الجولة الثانية.. من كم جولة؟

تبدأ صباح الاثنين الجولة الثانية من المفاوضات بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية في جنيف، على ان تستمر لمدة أسبوع قبل ان تتوقف لحوالى أسبوع ثم تستأنف المحادثات مجددا، تماشيا مع الجدول الذي وضعه الممثل المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي للمفاوضات. أسبوع للتفاوض بين الطرفين وأسبوع ليتشاور كل طرف مع مؤيديه ومسؤوليه. وبينما تكثر التكهنات حول ما يمكن ان تحمله الجولة الثانية من المفاوضات في المقر الأوروبي للأمم المتحدة، وتثار تساؤلات حول المحاور التي يمكن للإبراهيمي طرحها لحلحلة الأزمة السورية المتفاقمة، لا يوجد حل منظور في الأفق. بل حتى لا يوجد اطار زمني يمكن التطلع اليه. فهذه الجولة الثانية من كم جولة؟ لا أحد يعلم الاجابة. التصور الوحيد المطروح علنا ما تضمنته تصريحات الإبراهيمي بأنه "صبور" وان "الأمر يستغرق وقتا طويلا".
ولكن هذا الصبر والانتظار على حساب سوريا، من الناحية الانسانية أولا، مع ارتفاع أعداد القتلى والمعتقلين والمهجرين.. وغيرها من مآسي لا تعد ولا تحصى. كما انها على حساب سوريا من الناحية السياسية والسيادية، اذ تتآكل أراضيها من كثرة القصف والانشقاقات والمقاتلين الاجانب. وربما تعتقد الحكومة السورية أنها تستفيد من الوضع الراهن، إذ تكسب الوقت لمواصلة عملياتها العسكرية. وربما تعتقد المعارضة المشاركة في مفاوضات جنيف انها حصلت على مكسب سياسي من خلال الاعتراف الدولي في اجتماع مونترو يوم 22 يناير (كانون الثاني) الماضي بمشاركة وفد الائتلاف. ولكن هذه المكاسب تتراجع مع تفاقم الخسائر البشرية والسياسية في سوريا.
وهذا ما يواجهه وفدا الحكومة والمعارضة السوريان عندما يتواجهان من جديد في جنيف. وبعد إشاعات حول تغييرات محتملة للوفدين السوريين، يبدو أن التركيبة العامة للوفدين لم تتغير، على الرغم من مطالبة رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا بأن يترأس الوفد الحكومي السوري نائب الرئيس السوري فاروق الشرع.
ولكن الفريق الذي طرأ تغيير عليه هو فريق الابراهيمي نفسه، بعد ان قدم نائب الابراهيمي، الدبلوماسي الفلسطيني ناصر القدوة استقالته من الفريق المسؤول عن إدارة المفاوضات الأسبوع الماضي. كما تم تأكيد الخبر الذي دار منذ اسابيع ماضية حول قرب استقالة السفير الاميركي المكلف الملف السوري روبرت فورد. فعلى الرغم من ان الادارة الاميركية لم تعلن استقالة فورد رسميا، يستعد فورد للتقاعد نهاية الشهر الحالي. وبينما يمكن لدبلوماسيين مثل القدوة وفورد  من اتخاذ قرار الاستقالة والبحث عن ملف جديد يكون أفقه أقل ضيقا، يتعين على السوريين العودة مرة تلو الأخرى الى جنيف، على ان يكون الهدف حقا تحقيق حل سياسي وليس المراوغة على أمل تحقيق انتصار عسكري يستحيل لأي طرف أن يضمنه. ومن المرتقب أن تنعقد جولة ثانية وثالثة ورابعة وربما عاشرة، رغم المماطلة والضغوط، حتى يصبح أفق الحل السياسي ممكنا على حساب القنابل والصواريخ والدماء التي مازالت تخيم على سماء سوريا وأرضها. وجولة تفاوض مقابل معركة قتال.. على ان تصبح جولات التفاوض اكثر فعالية من معارك القتال. هذا ما يراهن عليه مناصرو الحل السياسي كمخرج من المأساة السورية.. بينما يهدده من لا يعرف غير السلاح حلاً.