زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

صناعات آشولية في المملكة العربية السعودية

ما زلنا نتحدث عن الاكتشافات الأثرية المهمة التي أعلنت عنها هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية، مؤخراً، والتي كان من نتائجها الكشف عن وجود صناعات حجرية آشولية (نسبة إلى حي أشول بضاحية أميان بفرنسا) تؤرخ إلى نحو 200 ألف سنة، والتي تعد حديثة نسبياً عن مثيلاتها في جنوب غربي آسيا مما يدل على الخصوصية الحضارية للجزيرة العربية وتميزها بسمات ثقافية شكلتها الظروف البيئية والثقافية السائدة آنذاك، وأكدت الأبحاث والدراسات ارتباط هذه المواقع الأثرية بنشاطات صناعة الأدوات الحجرية بدلاً من كونها تمثل صناعات معيشية مساعدة لإقامة التجمعات البشرية.
ويعد موقع خل عميشان بالنفود الكبير الذي يقع على أطراف منطقة تبوك، من المواقع الأثرية الفريدة على مستوى الجزيرة العربية، وذلك لاحتوائه على عدة طبقات أثرية تضم معلومات بيئية من فترات تاريخية مختلفة. وقد ضمت الطبقة الأثرية المبكرة في موقع خل عميشان التي تعود إلى نحو 400 ألف سنة، فؤوساً آشولية تعد من أقدم البقايا الأثرية المؤرخة في الجزيرة العربية.
تضم الطبقة التي تعلوها فؤوساً حجرية تميزت بصغر حجمها ويعود عمرها إلى نحو 300 ألف سنة. ويعلو الطبقة أدوات حجرية قد أظهرت أولى دلالات التقنية التصنيعية المعروفة بالليفلوازية التي تم تأريخها إلى 200 ألف سنة مضت. ويلي ذلك طبقتان أثريتان تم تأريخ أقدمهما إلى ما بين 75 ألفاً إلى 125 ألف سنة، والطبقة الأحدث تعود إلى نحو 55 ألف سنة مضت. وقد تميزت الطبقتان بتقنية ليفلوازية مميزة.
استمرت الحضارة الآشولية حتى الفترات السحيقة من أواخر عصر البليستوسين الأوسط (الجليدي الأوسط) التي عاصرتها تقنية الصناعات الموستيرية الليفلوازية (نسبة إلى كهف موستير بفرنسا)، في نهاية فترة الحضارة الآشولية، وتعد هذه الصناعات الحجرية فريدة من نوعها في تقنيتها، ولا تشابه مثيلاتها في شرق البحر المتوسط. وقد تمت دراسة البقايا العظمية واتضح وجود عظام حيوان فرس النهر وحيوانات أخرى من فصيلة الفقاريات. وقد تمكن الفريق البحثي السعودي والأجنبي من تحديد خمس موجات من الهجرات البشرية إلى الجزيرة العربية من أفريقيا، بالإضافة إلى الإعلان عن وجود بحيرة قديمة ضمت طبقات أثرية، وقد زودتنا بمعلومات عن الظروف المناخية التي مرت بها المنطقة. وقد أوصلتنا كل هذه الاكتشافات إلى معلومات دقيقة ومؤكدة عن التاريخ الحضاري للجماعات البشرية في الجزيرة العربية. ومن قام على هذه الأبحاث والاكتشافات فريق بحثي من المراكز العلمية والجامعات العالمية والوطنية بالمملكة العربية السعودية.