د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا تنتخب رئيسها للمرة الأولى

رغم كثرة المترشحين للانتخابات الرئاسية الليبية، وخطورة تشتت الأصوات، فإن الأمر يبقى مناخاً صحياً تخلى فيه الليبيون عن القتال والحروب والرصاص، واتجهوا نحو الصناديق الانتخابية، سواء طواعية ضمن إرادة ليبية تبحث عن الاستقرار أكاد أتلمسها عند الغالبية أو مرغمين عند القلة بسبب إصرار الليبيين والعالم على الانتخابات واستقرار ليبيا، ما لم يجعل لهم مخرجاً آخر سوى الانتخابات، رغم محاولات تنظيم جماعة الإخوان بالتهديد والتلويح بالحروب تارة وبالمقاطعة ورفض النتائج مسبقاً إذا جاءت ليست على هواهم.
في ليبيا التي تم تغييب منصب الرئيس فيها لعشر سنين عجاف، كديدن وخطة مستمرة منذ فبراير (شباط) 2011 حتى يومنا هذا وليبيا بلا رئيس، بدءاً من ظهور المجلس الانتقالي ووريثه المؤتمر الوطني، وهم جميعاً يتفننون في تغييب منصب الرئيس.
ليبيا لم تنتخب مَن يحكمها منذ تاريخ تأسيسها، فالملك الراحل كان توافقياً بين القبائل والنخب ولم ينتخب، والقذافي جاء من خلال انقلاب عسكري، سرعان ما حوله إلى «ثورة» بمفاهيم مغايرة على عصره ومعاصريه.
هذا البلد اليوم يتنافس فيه على كرسي الرئيس العشرات من الشخصيات بمختلف تنوعهم السياسي والقبلي، بعد أن اقتنع الجميع «فجأة» بالانتخابات طريقاً لرئاسة ليبيا، أو استعادة جماهيرية العقيد، كما يتبنى بعض المرشحين الذين كانوا بالأمس القريب يكفرون بالديمقراطية الانتخابية وتشبيه الصناديق الانتخابية بصناديق «القمامة» نجدهم اليوم يتجهون إلى نفس الصناديق في أول عملية انتخابية في تاريخ ليبيا لاختيار الرئيس.
الرئيس هو رأس الدولة، وهو قائد الدولة وهو السلطة التي تمثل الدولة أمام بقية العالم، من خلال المشاركة بذاته أو من خلال مندوبين عنه وفق نظام الحكم.
في ليبيا لعشر سنين عجاف ظل منصب الرئيس مغيباً، بذرائع شتى جميعها كانت تصب في مصلحة تنظيم الإخوان الفاقد لشعبية تؤهله لضمان شخصية تتبعه يمكن أن تكون الرئيس الضامن لمصلحة وسياسة التنظيم حتى لو كان من خارج التنظيم، ولكن ليس خارج صفة محب أو صديق للتنظيم، الآلية المعتادة للتنظيم في اختيار مَن يضمن ولاءه له.
التلاعب بتغييب منصب الرئيس يهم أطرافاً مستفيدة كثيرة، ففي بداية فبراير 2011 أصبح رأس السلطة (الهجينة) المجلس الانتقالي (سلطة الأمر الواقع في فبراير غير المنتخبة) التي لم يُعرف تصنيف وظيفي واضح لها، وأصبح معها رئيس المجلس الانتقالي في حينها ينتحل صفة رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، بالإضافة لصفة رئيس المجلس، وظائف وسلطات ثلاث في منصب واحد، وتكرر المشهد عند وريثه المؤتمر الوطني العام، ثم البرلمان.
ليبيا اليوم في حاجة لانتخاب رئيس يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية وليست المزورة والمغيبة، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من خلال انتخاب مباشر عن طريق الاقتراع الشعبي، وبحيث يكون كل مواطن ليبي وطنياً بالولادة من أبوين وطنيين ويقيم في ليبيا.
السباق الرئاسي الليبي بدأ الترشح له وانطلقت الصافرة، وفي انتظار النتائج والقبول بها ممن ارتضوا الاحتكام للصندوق الانتخابي، من خلال قوانين لم تقصِ أي ليبي عن الترشح، فشاهدنا القذافي الابن يترشح، وشاهدنا المستشار صالح رئيس البرلمان يترشح، وقائد الجيش المشير حفتر يترشح ويرتدي البدلة المدنية، وشاهدنا الكثيرين من سياسيين، بل وحتى ممثلين وفنانين ترشحوا في هذه الانتخابات.
المعضلة الحقيقية التي ستواجه بعض الأطراف هي تشتت الأصوات في الفريق الواحد، وبالتالي ستكون الخسارة نصيب الجميع، الأمر الذي ستكون نتائجه كارثية إذا لم يتنازل أصحاب التوجه الواحد لأحدهم لتحقيق النسبة المطمئنة للفوز في الجولة الأولى، لكن والأمر هكذا فإننا جميعاً نتجه نحو الجولة الثانية حتى قبل أن نعرف نتائج الأولى، والسبب تشتت الأصوات وعدد المترشحين الكبير.
أياً كانت نبرة صوت المهددين والمعرقلين، فإن الشعب الليبي اختار الانتخابات لاختيار أول رئيس منتخب له لأول مرة في تاريخ البلاد منذ تأسيسها وسيكون له ذلك.