وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل تفعلها أميركا هذه المرة وتعاقب «أوبك»؟

شخصياً لقد مللت من الصراخ الأميركي، في كل مرة ترتفع فيها أسعار النفط، والمناداة بفرض عقوبات على منظمة أوبك، لعدم تحركها لخفض الأسعار.
للأسف - وأقولها بكل اشمئزاز هذه المرة - فإن السياسات المزدوجة والمتناقضة للحكومة الأميركية ما زالت تتواصل. فمن جهة تريد أميركا فرض عقوبات على «أوبك» لأنها «منظمة تتلاعب بأسعار النفط» على حد زعم الساسة الأميركيين، ومن جهة تريد أميركا لـ«أوبك» أن «تتدخل لتخفض أسعار النفط».... أليس هذا تناقضاً واضحاً؟
من يهتم؟ فلا الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لديه سياسة واضحة تجاه النفط، ولا الإدارة الأميركية قادرة على فعل شيء لخفض الأسعار سوى الحديث المستمر عن ضخ كميات من مخزونها الاستراتيجي النفطي في السوق... ويبدو أن الرئيس بايدن يريد من باقي الدول المستهلكة فعل الأمر ذاته.
هذه ليست المرة الأولى التي تلوح فيها أميركا بفرض قانون «نوبك» الذي لا يزال تحت المناقشة البرلمانية من قبل أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنوات طويلة. والسؤال الذي أريد الإجابة عنه هو؛ هل ستفعلها أميركا هذه المرة، أم سيتم استخدام هذا القانون لإرهاب «أوبك»؟
إن الأمور كل مرة لا تبشر بالخير بالنسبة لمستقبل المنظمة عقب تحرك مجلس الشيوخ الأميركي لفرض قانون «نوبك»، الذي سيعطي أميركا الحق (في حال الموافقة عليه) في الملاحقة القانونية للدول المنتجة للنفط التي لديها ممارسات احتكارية أو تتحكم في الأسعار.
لقد تم تحريك ملف هذا القانون مرات كثيرة منذ أيام الرئيس جورج بوش الأبن، وفي عهد الرئيس باراك أوباما، وفي عهد الرئيس دونالد ترمب. ورغم عدائية مجلس الشيوخ لـ«أوبك»، فإن الرؤساء السابقين باستثناء أوباما، داعمين لقطاع النفط الأميركي، وكانوا على صلة قوية بالسعودية. حتى الرئيس أوباما لم يتخذ أي إجراء ضد «أوبك».
لكن الرئيس بايدن شخص غير مفهوم للحقيقة. فلا يوجد لديه أي تفهم لديناميكية أسواق النفط على ما يبدو، ولا يدعم قطاع النفط، سواء في أميركا أو خارجها. وليست دول «أوبك» وحدها التي تعاني معه؛ بل شركات النفط الأميركية عاجزة عن التوسع في الإنتاج بسبب سياساته السلبية تجاههم.
إن معاقبة «أوبك» ليست الحل، لأن الأزمة الحالية ليست أزمة نفطية، بل أزمة لقطاع الطاقة بشكل عام، بسبب السياسات المعادية لجميع أنواع الوقود الأحفوري. إن الركض نحو سياسات المناخ على حساب إنتاج الطاقة بأسعار منخفضة من المصادر الأحفورية، مثل النفط والغاز والفحم، كان له أثر كبير على أسعار النفط، لأن أسعار جميع هذه المواد ارتفعت بشكل جنوني هذا العام، ما جعل النفط أرخصها.
في الوقت ذاته، لا يمكن لـ«أوبك» أن تحل أزمة هيكلية ليست السبب فيها، في وقت لا يوجد فيه وضوح كبير حيال الطلب على النفط بسبب استمرار انتشار الجائحة أو حيال العرض المتوقع العام المقبل بسبب ارتفاع إنتاج بعض الدول مع تحسن أسعار النفط.
إن سوق النفط يجب أن تكون مستقلة، ويجب أن تخضع للعرض والطلب، لا للتدخلات السياسية. ولا يمكن لـ«أوبك» أن تحل هذه الأزمة بمفردها، لأن زيادة الإنتاج وخفض الأسعار سيضرّ بإنتاج الدول الأخرى، ما يعني تراجع الإنتاج منها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى إطالة الأزمة الحالية.
الأزمة الحالية لن يحلها سوى مصارحة وتوجه صادق من قبل الولايات المتحدة وباقي الدول المتطرفة حيال قضايا المناخ، لأن سياستهم العدائية أدت إلى تراجع الاستثمارات في الوقود الأحفوري، وهذا أدى إلى انخفاض الإنتاج من كل المصادر أو عدم توسعة البنية التحتية بشكل يتناسب مع النمو المتوقع في الاقتصاد العالمي.
لقد كانت المخاوف من فرض «نوبك» على «أوبك» أحد الأسباب التي شجعت قطر، أحد أقدم الأعضاء في «أوبك»، على الخروج من المنظمة. وأدت هذه المخاوف إلى إحجام روسيا عن عقد تحالف مؤسسي طويل الأجل مع «أوبك».
إن «أوبك» اليوم مع تحالف «أوبك+» هما مصدر الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، وأي إخلال بمنظومة «أوبك+» سوف تؤدي إلى إخلال بأمن واستقرار الأسواق. ولا أستبعد أن رئيساً مثل بايدن لديه ممانعة من فرض قانون «نوبك»، لكن هل يعي فعلاً خطورة ما يفعله على الاقتصاد العالمي وعلى إنتاج النفط في الولايات المتحدة؟