د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

مؤشرات «العتاب» الإدارية

«ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته» هذا ما قاله بيتر دراكر أبرز علماء الإدارة في العصر الحديث. فمنذ العصر الحجري كان الإنسان يعيش حياته بسيطة خالية من «مؤشرات الأداء الرئيسية» KPI، فجلّ هم الصياد الماهر أن يضع علامة على الحجر لتوثق عدد ما اصطاده فيباهي بها من حوله. ولم يكن هناك آنذاك مدير عصري «يعاتبه» على تدني إنتاجيته... حتى جاءت بواكير اكتشاف الأرقام العشرية الحديثة قبل نحو 3 آلاف عام قبل الميلاد، فصار لدى الإنسان رقم يمكن أن يقيس على أساسه إنتاجية أكبر. وظهرت أولى محاولات قياس الأداء قبل نحو 3 آلاف سنة في منطقة الشرق الأوسط عندما كان سكانها يدونون أرقاماً على رموز أسطوانية الشكل. ثم جاءت بدايات المحاسبة الحديثة عندما دونت المصارف البدائية القيد المحاسبي الثنائي (credit-debit) وذلك بعد الميلاد بنحو 1000 عام.
وكانت البشرية على موعد مع نقلة نوعية في قياس جهود العاملين، وذلك بعدما بزغ نجم الإدارة العلمية scientific؛ حيث أدخلت الأرقام في إدارة المعامل والإنتاجية في تطور مذهل للعمليات اليومية في عام 1880. وبعد تصاعد هدير الآلات، استعرت المنافسة في مصانع العالم عقب الثورة الصناعية التي هبت نسائمها من بريطانيا العظمى، حتى صارت المعامل والمصانع والشركات تبحث عن أي وسيلة تعظم من خلالها إنتاجية العاملين. حتى وصلنا إلى ما يسمى في عصرنا «مؤشرات الأداء الرئيسية» KPI. وعندما كنا ندرسها في الجامعة لم أكن أتخيل أنني سأعيش في عصر تستخدمها الحكومات لأنها كانت وسيلة متقدمة وعملية من وسائل قياس الإدارة في القطاع الخاص، غير أنني وجدتها في أكثر من استراتيجيات وخطط لحكومات عربية. وإن كانت النتائج لم تلبِ الطموحات، لكننا في الطريق الصحيح، فصرنا مثلاً نقول إننا بحاجة إلى رؤية أداء محدد نقيسه.
فتلك الأدوات هي «مجموعة من المؤشرات القابلة للقياس الكمي التي تستخدمها الشركة لقياس أدائها. وتستخدم هذه المقاييس لتحديد التقدم الذي تحرزه الشركة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية والتشغيلية» بحسب تعريف هارفارد ريفيو. كما أنها تستخدم «لمقارنة الأداء المالي للشركة مع الشركات المماثلة لها في المجال».
ثم تطور الأمر، فأصبحت مؤشرات الأداء تقيس أداء الجهات الحكومية وغير الربحية. وقد أوقفت هذه المؤشرات سيل الانتقادات الفارغة. فقد كان كل نقد يفسر كتجريح، وكل ملاحظة تفسر كانتقائية، وكل لوم يفسر كتعريض بالسمعة، وهكذا، حتى جاءت مؤشرات الأداء التي باتت أيقونة التخطيط الإداري المعاصر، وفي الوقت نفسه صارت مؤشرات «عتاب» موضوعية لمن لم يقم بواجبه على أكمل وجه.