في الماضي كان المغتربون يحنّون إلى الخبز اللبناني والجبن البلدي والزعتر والحلويات، وأذكر بعد كل زيارة إلى لبنان الحبيب على مدى 25 عاماً كان لا بد من أن تكون حقيبة السفر عند العودة من بيروت إلى لندن مدججة بالمأكولات والأطايب وحتى الأدوية لأنه من الصعب الحصول على دواء في بريطانيا من دون وصفة طبية.
اليوم، وبعد تعرض لبنان لأسوأ أزمة اقتصادية ومالية ونقص حاد في الأدوية والحليب والخبز... تبدلت الأحوال وأصبحت حقيبة الأمتعة المسافرة من لندن إلى بيروت هي التي تحمل الأدوية والخبز وحليب الأطفال... وهذا الأمر مؤسف حقاً ويعيشه كل مغترب يشعر بمأساة بلده ويحاول قصارى جهده المساعدة ولو بشيء بسيط.
لنتكلم عن المساعدة وعن الإنسانية التي تعد في أيامنا هذه، وتحديداً في لبنان، أشبه بالعملة الصعبة، تماماً مثل «المال الطازج» أو ما يسميه اللبنانيون بالـFresh Money، وهذه عبارة لم تسمع بها حتى أهم مصارف سويسرا.
المساعدة تنبع من المبادرة وليس الكلام، ومن الفعل وليس التنظير، ففي وقت قامت به إحدى شركات الطيران العالمية بالسماح بأوزان أمتعة إضافية للمسافرين إلى لبنان، بعدما أصبح إرسال المواد الغذائية وحليب الرضع والأدوية حاجة ملحّة، نرى الطيران اللبناني طائراً في عالم آخر، وفي وقت أعلنت تلك الناقلة عن القرار المذكور لغاية الثلاثين من سبتمبر (أيلول)، والسماح للمسافرين بـ10 كيلوغرامات من الأمتعة الإضافية «مجاناً» لحمل مواد تسهم في دعم عائلاتهم وذويهم في الوطن، نشحذ نحن المغتربين عطف ناقلتنا الرسمية للسماح بإرسال حقيبة أدوية مستعجلة، وبدلاً من الاعتذار بطريقة منطقية، نتعرض لسماع أطروحات ومحاضرات تشبه تلك التي يتحفنا بها السياسيون في لبنان، وهذا ما يؤكد أن العطل في لبنان ليس على الأرض فقط إنما في الأجواء «المفتوحة» غير المفتوحة أيضاً.
من المخزي أن تتقاعس شركة طيران عن المساعدة، ومن المحزن أن يصل بنا الأمر إلى هذا الحد من الذل والتعب النفسي. يظن البعض أن المغترب لا يأبه لما يجري في موطنه، وأنه يعيش حياة سعيدة خالية من المشكلات، ولكن الحقيقة غير ذلك والواقع لا يتماشى مع النظرية المخطئة. صحيح أن المغترب يعيش في رفاهية من حيث حصوله على حقوقه تحت سقف القانون، ولا يفكر بسلك الكهرباء ولا بانقطاعه، وليست لديه مشكلة بترول، فالبنزين متوفر وحتى السيارات الكهربائية موجودة، نعم الأدوية مؤمَّنة والطبابة في بريطانيا مجانية... نعم نحن محظوظون ولكن بنفس الوقت نحن نشعر دائماً بالغربة، نتوق لزيارة بلدنا الحبيب لنجد أنفسنا غرباء فيه، وفي الغربة نحن غرباء أيضاً.
نحن نشعر ونحس بما يحدث في أوطاننا ونقوم بالكثير من المبادرات ولكن المعوقات الرسمية تقف دائماً بالمرصاد، ففي مثل هذه الظروف يجب أن تقوم ناقلتنا الجوية الرسمية بواجبها وتتعاون مع المغتربين الراغبين في المساعدة وإرسال الأدوية وحليب الأطفال... مرضى السكري والسرطان في لبنان لا يجدون الدواء ونحن هنا لا نجد من ينقله إليهم، المطلوب هو التنسيق والعودة إلى الإنسانية والتمييز ما بين الأزمة السياسية والأزمة الإنسانية.
المبادرة التي يقوم بها بعض شركات الطيران عبرة لمن يعتبر، على أمل أن تكون محفزة لإيقاظ الضمائر النائمة.
8:7 دقيقه
TT
حقيبة سفر لبنانية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة