وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

تحديات إصلاح سوق العمل السعودية

يجب أن نعترف بشيئين مهمين، الأول هو أن سوق العمل السعودية اليوم في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن مع تحسن القوانين والتشريعات، والأمر الثاني هو أن سوق العمل لا تزال غير تنافسية وهذا لن يساعد في استدامتها على المدى البعيد.
وتحسين تنافسية سوق العمل أمر يخضع للثقافة أكثر مما يخضع للتشريعات. فعلى سبيل المثال هناك رفض شديد جداً من الموظفين السعوديين لمبدأ الفصل من العمل بسبب قلة أو ضعف الإنتاجية، ولا تزال الثقافة السائدة هي أن تكون الوظيفة دائمة وحتمية كحتمية الموت، بل يجب أن تنتهي بالموت.
هذا الأمر نشأ بسبب عدم قدرة الموظف على المنافسة في سوق عمل مفتوحة وعادلة. لو كانت سوق العمل عادلة، لخضعت للعرض والطلب ولأصبحت المهارات والقدرات هي أساس التوظيف والأجور تتفاعل مع هذا الأمر. ودعونا نأخذ بعض الأمثلة على بعض المهن المتقدمة مثل برمجة الحواسيب، إذ إن هذه المهنة بالذات لا يزال الطلب عليها عالياً. ولكن لو نظرنا لكفاءة المبرمجين وأعدادهم فإن التفوق لا يزال في دول مثل الولايات المتحدة والهند والصين أو في مناطق مثل أوروبا وبخاصة ألمانيا وبريطانيا. ولا تزال الولايات المتحدة هي أكبر دولة في العالم تستحوذ على أكبر عدد من المبرمجين المحترفين بنحو 4.3 مليون مبرمج، بينما العدد في الصين ينمو سنوياً بنحو 6 إلى 8% نظراً للطلب على هذه الحرفة.
هذا الطلب القوي على المبرمجين رفع من سقف الأجور، إذ إن العالم سيحتاج إلى نحو 45 مليون مبرمج بحلول 2030 من 29 مليوناً في 2024 حسب بعض التقديرات والتي قد لا تكون دقيقة جداً ولكنها كافية لإعطائنا صورة عن النمو. في الوقت ذاته تسعى المملكة من خلال مبادرات كثيرة تم إطلاقها الشهر الماضي إلى رفع عدد المبرمجين ليصبحوا واحداً في كل 100 ألف نسمة، وقد يكون هذا غير كافٍ لسد العجز في السوق على هذه الحرفة المتقدمة والمهمة.
ومن الصعب ألا يجد مبرمج ماهر وظيفة في المملكة، لكن من خلال تجربتي الشخصية في استقطاب الكثير من المبرمجين لإحدى المبادرات التي عملت عليها، فإن تأهيلهم الجامعي غير كافٍ، ولهذا تمت الاستعانة بجهات غير ربحية في المملكة لمساعدتنا على تأهيلهم مثل الأكاديمية السعودية الرقمية وغيرها. هذه الجهات أصبحت هي المخلص لحل أزمة المهارات والتأهيل.
بالنسبة إلى الشاب فهو أمضى 4 سنوات من عمره في الدراسة الجامعية ولهذا يرى أنه لديه كل الحق في الحصول على عمل فقط لأن لديه شهادة تحمل مسمى علوم حاسب أو هندسة الحاسب، لكن ما نراه في سوق العمل هو أن غالبية المتخرجين ليست لديهم القدرة على تجاوز الشهادات الاحترافية مثل (نيتورك بلس وسيكورتي بلس وغيرها) من دون اللجوء لكثير من الدورات التأهيلية.
لكن من غير المنصف أن نلوم الخريجين على سوء المخرجات التعليمية. إذ إن الملحوظ في الدول كافة التي لديها قاعدة مبرمجين قوية، أنها دول ذات قاعدة قوية في الرياضيات. لماذا الرياضيات؟ لأنه من شبه المستحيل أن يكون هناك مبرمج ضعيف في الرياضيات وبارع في البرمجة إلا فيما ندر.
وعند الحديث عن الرياضيات فإن الأمر ليس بالمشجع في المملكة. فترتيب المملكة في قائمة الرياضيات في أحد تقارير منتدى الاقتصاد العالمي في المرتبة 63 خلف دول خليجية أخرى مثل قطر والإمارات العربية المتحدة.
ولو نظرنا إلى الطلاب تحت 15 عاماً فإن مستواهم في الرياضيات مقارنةً بالطلاب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مخجل؛ إذ إنه من غير المقبول أن يكون 1% فقط من الطلاب يحققون متطلبات المستوى الخامس بينما النسبة في الصين 44% و في سنغافورة 37% و في هونغ كونغ 29%.
إن المشكلة تراتبية وكل عامل يترتب عليه عامل آخر. وما دام لا توجد مهارات أساسية قوية في التعليم لن تكون هناك مخرجات جامعية قوية وستظل المهارات التي تتطلبها سوق شحيحة وسيظل الخريج لا قيمة فعلية له وسيحتاج تأهيله بعد أربع سنوات من الجامعة إلى مشوار طويل. الحل هو أن نختصر التعليم في تعليم ما دون الجامعي يركز على المهارات من خلال دبلومات مهنية، أو أننا نطوّر التعليم بصورة أقوى. ما عدا ذلك سيظل الخريج السعودي يشكو من سيطرة الأجانب على سوق العمل أو سيظل خائفاً من المادة 77 من قانون العمل.