يمتدح شاعر صيني قديم اسمه «لو جي» الكتابة بقوله:
«الكتابة متعة، لذلك يمتهنها القديسون والمفكرون. الكاتب يبتكر حياة جديدة في الفراغ، ينقر على الصمت لكي يصنع صوتا، يثبت الزمان والمكان على صفحة من حرير، ويسكب نهرا من قلب صغير الحجم. وحيث تلد الكلمات كلمات، وتثير الأفكار أفكارا أعمق، تنشر عبقا مثل زهور تصوغ عطرا، وتنشر مثل أوراق خضراء في الربيع.. ريح مديدة تهب، وتدور في زوبعة من أفكار، وتنهض الغيوم من الغابة الكثيفة للكتابة».
هل سمع القارئ كلاما جميلا عن الكتابة مثل هذا؟ لا أظن.
لكن مبادئ الكونفوشيوسية الصينية الشهيرة ترى كما يذكر كتاب «فن الكتابة.. تعاليم الشعراء الصينيين» أن الشعر «يقوم الأخطاء ويحرك السماء والأرض والأرواح».
أما مهارات الكتابة وأنواعها فيصفها الكتاب في 21 بندا وهي كالتالي: الدافع، تأمل، المسار، متعة الكلمات، الأساليب العديدة، الأجناس، موسيقى الكلمات، التنقيح، السوط الراكب، اجعلها جديدة، العادي والرفيع، قيثار من وتر واحد، تناغم، قلب، سمو، ضبط مفرط، تشكيل الشكل، الجرة المصوغة جيدا، الإلهام، عقدة الكاتب، قوة القصيدة.
وفي بند «اجعلها جيدة» يقول: ربما تمتزج الأفكار والكلمات، في جمال باهر واخضرار وفير، وترهج مثل قماش مقصب، بارعة مثل أوركسترا وترية. ولكن إذا فشلت في جعلها جديدة يمكنك فقط أن تكرر الماضي. حتى عندما قلبك نولك يمكن أن يكون أحد آخر قد حاك ذاك القماش من قبل، وإذا أردت أن تحافظ على ماء وجهك وشرفك فعليك أن تتخلى عنه رغم حبك له.
وحتى على المستوى الرسمي الحكومي في الصين القديمة، كان الإمبراطور يشترط على الوزراء وكبار المسؤولين أن يكونوا ضليعين بالأدب الصيني الكلاسيكي، وممارسين جيدين للشعر وفنون الخط. وقد يصل الأمر به إلى أن يشترط على كبار مسؤولي البلاط ضرورة أن تتوافر لديهم مهارات في فنون أخرى كي يستحقوا مناصبهم الرفيعة في الدولة، كالعزف على آلة القانون والرسم وإجادة بعض الألعاب الرياضية!
وحسب فلسفة شهيرة قديمة كانت في الصين، وهي التعاليم «الطاوية»، فإن للشعر قوى سحرية خارقة، بسبب مذهبها الذي ينطوي على حس عميق بالمفارقة والتهكم وتمجيد العفوية والتناقض.
وبخصوص أساليب الشعر فالكتاب الجميل يقول إن هناك أربعة وعشرين أسلوبا للشعر وهي: الأسلوب الذكوري والحيوي، الرزين، الرشيق، الفعال، السماوي القديم، الكلاسيكي والأنيق، المغسول والمصفي، الرصين، المزخرف والحسن، الطبيعي، المضمر، الجريء وغير المقيد، الروح المكتنزة، الدقيق والمتأني، الجامح والمتهتك، الصافي والنادر، الملتوي والملتف، المشهد الواقعي، الحزين المؤثر، الوصفي، المتجاوز، الطافي والرائق، الواسع ذو القلب الكبير، الجاري.
وكان شاعر صيني قديم يرى أن «الشعراء يمتهنون حرفة مقدسة ويترتب عليهم أن يكملوا ذواتهم داخليا من أجل أن يحققوا الكمال في حياتهم»! والعجيب، كما يقول الكتاب، أن هذا الشاعر عندما فشل في تحقيق طموحاته السياسية والأدبية مات منتحرا بعد أن أضرب عن الطعام!
وينصح أخيرا أحد الشعراء الصينيين القدماء الشعراء المبتدئين قائلا:
«خير لك أن تكون غير بارع من أن تكون ذكيا، وأن تكون واضحا من أن تكون مدعيا، وفجا من أن تكون ضعيفا، وغريبا من أن تكون مبتذلا».
وقد صدقوا جميعا وأبدعوا!
7:52 دقيقه
TT
مهنة القديسين
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة