خالد البسام

خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني

حقوق الاختيار

من قال إن القمع عندنا لا يشمل إلا القمع السياسي ومحاربة المعارضين وقمع المظاهرات وحل البرلمانات وزيادة أعداد البشر في السجون؟ فإذا كان الزمن تغير بعض الشيء، فيبدو أن بعض الحكومات صارت أرحم من البشر، ولكن على حسب المزاج طبعا. قبل سنوات كنت وصديق نجلس في مقهى على نهر النيل، فطلب صديقي علبة «كولا»، بينما فضلت فنجان قهوة سادة. جاء الطلب بعد ثوان، لكن «الكولا» تحولت إلى «ميرندا»، بينما القهوة صارت قهوة سكر زيادة. عندما اشتكينا للجرسون قال بابتسامة باهتة: «الكولا» خلصت والسكر زيادة حلاوة يا أساتذة! وبدلا من الضحك على هذا الموقف الغريب قال الصديق للجرسون: وهل تريد أن نشرب مشروبات على مزاجك؟ ومن المشر

أحلام الطيور

استيقظ رجل فقير من نومه في أحد الصباحات، وكان منزعجا جدا ويهذي بكلمات غير مفهومة، ويضرب على رأسه وكأن مصيبة وقعت عليه. في الحال هرعت الزوجة المسكينة إلى فراش زوجها وبدأت الدموع تتساقط على خدها المحمر من الخوف. صرخت الزوجة بأعلى صوت استطاعت أن ترفعه على زوجها وقالت مرعوبة: ماذا حدث؟ هل بك شيء؟ هل أنت مريض؟ وراحت الأسئلة القلقة تتناثر على فراش الزوج الذي سكت لفترة ثم قال كلمة واحدة: لقد حلمت! وصرخت المرأة مرة أخرى، وقالت بتعجب: حلمت.. ماذا قلت؟ حلمت! وأكملت بانزعاج واضح: كل هذا الصراخ والمآسي والهذيان الذي قمت به من الصباح بسبب أنك تحلم؟

مهنة القديسين

يمتدح شاعر صيني قديم اسمه «لو جي» الكتابة بقوله: «الكتابة متعة، لذلك يمتهنها القديسون والمفكرون. الكاتب يبتكر حياة جديدة في الفراغ، ينقر على الصمت لكي يصنع صوتا، يثبت الزمان والمكان على صفحة من حرير، ويسكب نهرا من قلب صغير الحجم. وحيث تلد الكلمات كلمات، وتثير الأفكار أفكارا أعمق، تنشر عبقا مثل زهور تصوغ عطرا، وتنشر مثل أوراق خضراء في الربيع.. ريح مديدة تهب، وتدور في زوبعة من أفكار، وتنهض الغيوم من الغابة الكثيفة للكتابة». هل سمع القارئ كلاما جميلا عن الكتابة مثل هذا؟ لا أظن. لكن مبادئ الكونفوشيوسية الصينية الشهيرة ترى كما يذكر كتاب «فن الكتابة..

إذا وجـدته.. فهـو لـك

فوجئ بريطاني قبل أسبوع بوجود كتاب جميل وجديد في مقعده في الباص. وعبثا حاول الرجل العثور على صاحبه ولكن دون جدوى. وبعد ثوان انتبه على عبارة غريبة كتب على غلاف الكتاب الأخير تقول له: «لا تسلم هذا الكتاب إلى قسم الأمانات. إذا وجدته فهو لك»! والتقطت شابة بريطانية رواية عندما جلست في المطعم. وفي الحال نادت على الجرسون قبل أن تطلب قائمة الطعام وقالت له: لقد وجدت هذا الكتاب على مقعدي.

الأدب الصغير

رغم إن الأديب العربي الشهير عبد الله المقفع قد ترك لنا كتاب «كليلة ودمنة» الذي ترجمه عن الفارسية، كان يكفيه أن يعيش على ترجمة وعظمة هذا الكتاب، فإنه قبل أكثر من 1200 عام وضع أيضا كتابين مهمين هما «الأدب الصغير» و«الأدب الكبير». وفي «الأدب الكبير» ساق المرحوم المقفع نصائح للناس سماها «مطالب»، ولفت انتباهي إرشاداته للبشر في التعامل مع أصدقائهم وأصحابهم. ومن بين هذه النصائح أنقل للقارئ بعضها اليوم: - ابذل لصديقك دمك ومالك، وللعامة بشرك وحنانك، ولعدوك عدلك وإنصافك، واضن بدينك وعرضك على كل أحد. - إن رأيت صاحبك مع عدوك فلا يغضبك ذلك، فإنما هو أحد رجلين. - إن كان رجلا من إخوانك الثقة فنفع لك قربة

مسودة حياة

لم يجد أبو الفرج الأصفهاني أفضل من تقديم يقوله لأحد كتبه سوى هاتين الكلمتين: «إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا، إلا قال في غده: لو غير هذا المكان لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل»! ولم يكن الأصفهاني يقصد من كلامه الجميل سوى أن الكثير من البشر أو بعضهم يسيطر عليهم دائما مفهوم الكمال، وأن العمل الذي قدمه مهما كان عظيما ورائعا فإن به بعض النقص والخطأ. ولعل شجاعة الرجل تنقص مئات البشر اليوم الذين يفتقدون أبسط مقومات الكمال والإتقان في أعمالهم، ومع ذلك فهم يفاخرون دائما بأن الكمال نفسه يتعلم منهم ويتلقى عشرات الدروس على أيديهم! إذا كان الكمال لله وحده

أجراس هيمنغواي

لم يودع الكاتب والروائي الأميركي الشهير إرنست هيمنغواي الحياة إلا بعد أن دق أجراسها بقوة مئات المرات، وبعد أن عاشها نهما للمغامرة والكتابة. في مطلع الخمسينات كان اسم هيمنغواي (1899 - 1961) يشبه نجوم السينما الأميركية لحياته الصاخبة، فهو المحارب المشارك في الحرب العالمية الأولى والثانية والصياد في أعالي البحار وأعماق أفريقيا، ولاعب الملاكمة الشهير ومصارع الثيران، وصاحب المغامرات النسائية، والشجاع الذي لا يمل من التجارب الصعبة واللحظات المرعبة، والكاتب الموهوب الذي كتب روائع مثل «وداعا للسلاح»، «لمن تقرع الأجراس»، و«الشيخ والبحر» و«موت في الظهيرة» وغيرها، وصاحب جائزة نوبل في الآداب عام 1954. كان

مصائب مؤلف

مع بداياته في الكتابة والنشر وتأليف الروايات نشر الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز تأملات ذاتية تحدث فيها عن محنة الكتابة، وكانت بعنوان «مصائب مؤلف كتاب»، وقال في بعض تلك التأملات إن تأليف الكتب مهنة انتحارية، إذ ما من مهنة غيرها تتطلب قدرا كبيرا من الوقت، وقدرا كبيرا من العمل، وقدرا كبيرا من التفاني مقارنة بفوائدها الآنية. إنني لا أعتقد أن عددا كبيرا من القراء يسألون أنفسهم بعد الانتهاء من قراءة كتاب ما، عن عدد الساعات المؤلمة والبلاوي المنزلية التي مرت على المؤلف أثناء تأليف مائتي صفحة، أو ما هو المبلغ الذي حصل عليه لقاء عمله.

فرشاة الأسنان

حين تناول أحد كتبه تاريخ مدينة إسطنبول قال الكاتب التركي الشهير «أورهان باموق» للصحافيين: إنني لم أكتب تاريخ الحكام، بل كتبت تاريخ فرشاة الأسنان في مدينتي! كان «باموق» يعرف عن ماذا كان يكتب. فهي مدينته منذ الطفولة وعاش فيها صباه وأصبح شابا بين أزقتها العريقة. كان يعرف المدينة شبرا شبرا وزقاقا زقاقا.

البداية من جديد

في مسرحيته الجميلة «الشقيقات الثلاث» للكاتب الروسي الراحل أنطوان تشيخوف يقول أحد الأبطال «بعد مائتين أو ثلاثمائة سنة ستصبح الحياة على الأرض رائعة، مدهشة، بشكل لا يصدق. الإنسان بحاجة إلى هذه الحياة، فإذا لم تكن متوافرة، فعليه أن يتنبأ بها أن ينتظرها، يحلم بها، ويستعد لها، ومن أجل هذا عليه أن يرى ويعرف أكثر مما رآه وعرفه جده وأبوه». وبعد حوار قصير مع زملائه يقول مرة أخرى: «إنني كثيرا ما أفكر: ماذا لو نستطيع أن نبدأ الحياة من جديد، وبوعي؟ لو أن الحياة الأولى، التي عشناها، كانت، كما يقال، مسودة، والحياة الثانية على بياض!