خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

حقوق الاختيار

من قال إن القمع عندنا لا يشمل إلا القمع السياسي ومحاربة المعارضين وقمع المظاهرات وحل البرلمانات وزيادة أعداد البشر في السجون؟
فإذا كان الزمن تغير بعض الشيء، فيبدو أن بعض الحكومات صارت أرحم من البشر، ولكن على حسب المزاج طبعا.
قبل سنوات كنت وصديق نجلس في مقهى على نهر النيل، فطلب صديقي علبة «كولا»، بينما فضلت فنجان قهوة سادة.
جاء الطلب بعد ثوان، لكن «الكولا» تحولت إلى «ميرندا»، بينما القهوة صارت قهوة سكر زيادة.
عندما اشتكينا للجرسون قال بابتسامة باهتة: «الكولا» خلصت والسكر زيادة حلاوة يا أساتذة!
وبدلا من الضحك على هذا الموقف الغريب قال الصديق للجرسون: وهل تريد أن نشرب مشروبات على مزاجك؟
ومن المشروبات إلى الملابس؛ ففي أحد أيام السفر في الشتاء أغراني بالطو شتوي بالشراء فدخلت المحل، ولكن بعد بحث طويل عاد صاحب المحل، وقال إن هذا هو أقرب قياس لي، وقال ببساطة: عندما ترجع إلى بلدك، قم بعمل ريجيم بسيط، وقلل من نسبة الأرز التي تأكلها يوميا، وسوف تجد أن البالطو سيكون على مقاسك بالضبط!
بالذمة هل هذا كلام؟ المشكلة أن عندنا الكثير من الناس يمارسون الفهلوة على أساس أنهم عباقرة، ولكنهم لا يعرفون أنهم لا يمارسون سوى نوع من الترويج والخداع، وطبعا القمع.
وهكذا عندما تدخل مكتبة فإن البائع يحاول إقناعك بأن هذا الكتاب أفضل من الذي اخترته، والسبب هو أن كتابه أغلى ثمنا.
هناك بشر كثيرون اليوم يعتقدون أن الناس مثل الأطفال يجب أن تختار لهم، وأن تختار للناس فهذا يعني أن نقمعهم ونمنعهم من التفكير فيما يرغبون بكل حرية. بل إن هؤلاء يحاصرون البشر، ويختارون لك حتى مصيرك وعملك وحبك وطريقة حياتك، وفي النهاية يقولون وابتسامة صغيرة على وجوههم: والخيار لك طبعا.
أي خيار وأي بطيخ! الخيارات صارت صعبة اليوم، لدرجة أنها أصبحت مستحيلة، وإذا حدث واختار الناس أي شيء مهما كان بسيطا، فتأكد أن هناك انقلابا عسكريا في الغد!