خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

أحلام الطيور

استيقظ رجل فقير من نومه في أحد الصباحات، وكان منزعجا جدا ويهذي بكلمات غير مفهومة، ويضرب على رأسه وكأن مصيبة وقعت عليه. في الحال هرعت الزوجة المسكينة إلى فراش زوجها وبدأت الدموع تتساقط على خدها المحمر من الخوف.
صرخت الزوجة بأعلى صوت استطاعت أن ترفعه على زوجها وقالت مرعوبة: ماذا حدث؟ هل بك شيء؟ هل أنت مريض؟ وراحت الأسئلة القلقة تتناثر على فراش الزوج الذي سكت لفترة ثم قال كلمة واحدة: لقد حلمت!
وصرخت المرأة مرة أخرى، وقالت بتعجب: حلمت.. ماذا قلت؟ حلمت!
وأكملت بانزعاج واضح: كل هذا الصراخ والمآسي والهذيان الذي قمت به من الصباح بسبب أنك تحلم؟ وختمت كلامها له بجملة مفيدة: يا أخي إذا كنت لا تستطيع أن تحلم مثل بقية الناس. فأرجوك ألا تحلم. احلم في المرة القادمة حسب مستواك.
ابتسم الزوج هذه المرة وكأنه لم يسمع كلام زوجته، وقال بكل هدوء: ولكنك لم تسأليني عما هو الحلم الذي أرعبني؟
سكتت الزوجة وأكمل الرجل: حلمت بأنني حصلت على كنوز كثيرة وأموال لا تحصى وقصر؟
ردت الزوجة باستغراب: طيب، أليس من المفروض أن يجعلك هذا سعيدا؟
رد الرجل: بالعكس، هذا النوع من الأحلام يجعلني أعرف أنها أحلام لا تتحقق، وأحيانا أريد ألا تتحقق فعلا.
هذا الرجل سواء كان مجنونا أم عاقلا، فالأحلام كما في الأمس، هي اليوم لا ترحم أحدا، لا فقيرا ولا غنيا، لا صاحب طموح ولا بشرا بلا آمال.
هل هناك قوانين للأحلام؟ الحمد لله أن الأحلام خرجت من هذه المعادلة، فصارت الناس حرة في الأحلام، وحرة حتى في عدم الأحلام.
لكن أهم سؤال يطرحه علماء النفس الغربيون اليوم هو: هل هناك أحلام تتحقق وأخرى لا؟
بعد أبحاث طويلة وجهود كبيرة على الكثير من البشر، وجدوا أن أحلاما ضئيلة تتحقق، ولم تتحقق بفضل أحلامهم، ولكن بفضل الصدف.
وهناك بشر كثيرون اليوم يتمنون أن تحقق أحلامهم وبأسرع ما يمكن، وأن تهبط عليهم الأحلام من السماء تجيء بها الطيور حاملة الذهب والنقود.
غير أننا نعيش في عصر أن هناك حاملين كثيرين يحملون معهم الكثير من الأشياء الجميلة للحياة والناس. عندنا كتاب وشعراء ومفكّرون وفلاسفة وغيرهم، الدنيا لا تشغلهم سوى بأحلامهم.
ألا نحلم اليوم يعني ألا نعيش. فالحلم وحده القادر على تغيير الحياة إلى الأفضل وجعلها ممتعة ومتساوية للجميع.
الأحلام قابلة للعيش، ومن يقل غير ذلك فعليه أن ينام مرة أخرى ويحلم.