د. خالد بن نايف الهباس
كاتب سعودي
TT

الجغرافيا والتاريخ يهزمان السياسة في أفغانستان

تسارعت وتطورت الأحداث في أفغانستان بشكل درامي ومختلف عمّا كان يتوقع أو يرغب كثيرون حول العالم، انتهى بسيطرة «طالبان» على البلاد للمرة الثانية، فيما استسلم الجيش الأفغاني وهرب كبار المسؤولين في الحكومة، وأصاب الهلع السكان في كابل. كيف حصل ذلك وما مسبباته، والأهم من ذلك ما تداعياته الداخلية والإقليمية والدولية؟
يمكن القول إن الجغرافيا والتاريخ هزمتا السياسة في أفغانستان. للجغرافيا تأثيرها كعنصر مهم في التأثير على الأحداث السياسية، وكذلك يجب أن يكون التاريخ ملهماً لصناع القرار في سبيل اتخاذ الأنسب من البدائل. الموقع الاستراتيجي والطبيعة الجبلية والقبلية كان لها تأثير كبير في بقاء «طالبان» وانتصارها مؤخراً بعد نحو عشرين عاماً من الحرب مع القوى الغربية. هذا أعاد للأذهان انتصار الأفغان على الاتحاد السوفياتي وانسحاب الأخير في فبراير (شباط) 1989. وقد علّق الرئيس الأميركي بايدن على قراره الانسحاب من أفغانستان وما تلا ذلك بأنه «لا يريد أن ينقل الأزمة إلى رئيس أميركي خامس... ولا يريد بقاء قواته في مقبرة الإمبراطوريات».
لكن ذلك ليس كل شيء في أفغانستان. تجب الإشارة هنا إلى أن الدول لا تُبنى من خلال القوة وحدها، والوعود بالديمقراطية من خلال التدخل العسكري فشلت في أماكن كثيرة، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط. يتوجب فهم طبيعة وتركيبة المجتمعات أيضاً، التي تتسم بقدر كبير من الخصوصية. كذلك يتوجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار تغير مصالح وأولويات القوى الإقليمية والدولية وإسقاطات ذلك على التطورات السياسية في بلد أو آخر. لذلك فإن ما حصل في أفغانستان لا يمكن فهمه بشكل كلّي خلال هذه الفترة الوجيزة، كما لا يمكن توقع ما ستؤول إليه الأمور، سواء ما يتعلق بأسلوب حكم البلاد في العهد الطالباني الجديد، أو علاقاتها الإقليمية والدولية. مع ذلك يمكن إبداء الملاحظات التالية:
أولاً- كان الاستقرار السياسي في أفغانستان بعد الإطاحة بحكومة «طالبان» استقراراً هشاً ولم يكن مبنياً على مؤسسات سياسية وأمنية فعالة، بل ظل محمياً من القوات الأجنبية في أحسن الأحوال. هذا يعني عجز السلطات الحكومية في كابل عن بناء أساليب حكم فعالة، والصراع المستمر على السلطة بين التيارات السياسية المختلفة، فيما لم يستطع الجيش الأفغاني تشكيل قوات نظامية تستطيع بسط سيطرتها على البلاد، وظلت رهينة المساعدة العسكرية الغربية.. ناهيك بتقاطع الولاءات والانتماءات القبلية والتي أثرت أيضاً على قدرة هذه القوات. هنا يمكن القول إنه لم يكن لدى الحكومة الأفغانية الشرعية السياسية الكافية، فيما لم تستطع تقديم نفسها بشكل مقنع للشعب الأفغاني وتوفير مقومات الحياة الكريمة له.
ثانياً- التركيبة البالغة التعقيد للمجتمع الأفغاني، والتي يغلب عليها الطابع القبلي من ناحية والانتماء الديني العقدي من ناحية أخرى، الأمر الذي أسهم في خلق عصبية سياسية لدى أنصار «طالبان» وتماسكهم رغم الضربات الموجعة التي وجّهتها قوات التحالف الغربي لها خلال عقدين من الزمان. يضاف إلى ذلك الطبيعة الجبلية التي أسهمت في إيجاد ملاذات آمنة للمقاتلين من «طالبان»، وتجميع قواهم، وتعزيز علاقاتهم أيضاً مع بعض دول الجوار.
ثالثاً- الصلات الوثيقة التي تربط حركة «طالبان» ببعض القوى الإقليمية المجاورة، التي لا يمكن تجاهل دورها في استمرار الحركة، سواءً العلاقات والروابط الآيديولوجية العرقية بينها وبين «طالبان»، وتقاسمها المصلحة مع بعض هذه القوى لإضعاف الوجود العسكري الغربي، خصوصاً الوجود الأميركي.
رابعاً- تزايد تكلفة الحرب والوجود العسكري الخارجي بالنسبة إلى واشنطن. وكذلك تغير أولويات السياسة الخارجية الأميركية لجهة السعي لتوظيف الموارد العسكرية والسياسية بشكل أمثل لاحتواء كل من الصعود الصيني ومحاولة روسيا بعث دورها الدولي. وبالتالي فإن استمرار التورط الأميركي فيما تسمى «الحروب اللامنتهية» لم يعد أولوية لصانع القرار الأميركي.
خامساً- تشكل الأزمات فرصاً في بعض الأحيان، يمكن استغلالها بشكل أو بآخر للتأثير على التطورات السياسية والإقليمية. ويشير بعض المحللين في هذا السياق إلى أن تحول أفغانستان وما جاورها إلى «منطقة مضطربة»، إذا حصل، سيكون له تداعياته المستقبلية على تلك المنطقة. إذ سيُضعف فرص خلق فضاءات اقتصادية مزدهرة، سواءً ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية أو سعي روسيا لخلق حزام اقتصادي وأمني مع بعض الدول في آسيا الوسطى وأوراسيا.
سادساً- من المهم قراءة تداعيات ذلك بالنسبة إلى القوى الإقليمية على وجه الخصوص، وكيفية التعامل مع ذلك كي لا تصبح أفغانستان تحت تأثير بعض القوى الإقليمية، واستغلال ذلك بشكل يمس بأمن المنطقة بشكل أو آخر.