د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

يُرهبوننا بمقاتلي «طالبان»

أعادت صور مغادرة القوات الأميركية لأفغانستان بتلك السهولة الصادمة ودخول مقاتلي «طالبان» العاصمة كابل والسيطرة على البلاد، بعض الأفكار التي لطالما تمّ إدراجها ضمن ذهنية المؤامرة وإلقاء المسؤولية على الآخر. فطريقة التخلي وإن وُصفت بكونها مخجلة للأميركيين فإنّها في الحقيقة هي صور مخجلة للبعض منا. ذلك أنه لو كانت مصلحة الولايات المتحدة تقتضي إبادة أفغانستان والتخلص من مقاتلي «طالبان» لفعلت واخترعت خطاباً تبريرياً لأفعالها وزيّنته بشعارات.
مشكلة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أنّها لم تعد تعتني بالحد الأدنى بالصورة التي يجب عليها أن تكون أقوى دولة في العالم. هناك تفريط بالكامل في مسألة الصورة وتجاهل أن تلك الصورة هي جزء من القوة، وأيضاً، وهذا هو الأهم، أداة رئيسية من أجل التأثير لأن القوة تعني التأثير.
كذلك نلاحظ أنه رغم الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة، ومنها أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإنها ما زالت لا تجيد التعامل مع الكيانات التي تراها ضعيفة. لم تدرك أن خطر الضعيف أقوى من خطر القوي، لأن الضعيف لا شيء لديه يخسره، والتاريخ وإن كان في الظاهر بيد الأقوياء فإن أهم أحداثه الكبرى كانت نتاج احتقان الضعفاء ونزوعهم إلى الهدم والانفجار.
نسأل: هل أمعنت الولايات المتحدة جيداً في صورة الشعب الأفغاني وهو يفر خائفاً تاركاً كل شيء مفضلاً المجهول وخارج الوطن على الوطن؟
يبدو لي أن هذه الصورة هي ضرب عميق لمصلحة بلاده التي قال رئيسها السيد بايدن إنّها انتفت. فهي صورة تعني أن التعويل على الولايات المتحدة قد ينتهي بالخسارة والفاجعة، وهو ما رأيناه في صور متعددة، ولكن صورة خروجها المباغت من أفغانستان دليل على أن مشكلتها ليست مع الإرهاب في حد ذاته بل مع الإرهاب الذي يتطاول عليها، وكان عليها بعد مقتل أسامة بن لادن أن تترك أفغانستان وأن تعجّل في التفاوض مع حركة «طالبان» لا أن تقوم بتفاوض مفتوح وطويل وبطيء كي تقبل «طالبان» بأن تكون أكثر من الصلصال قابلية للتشكل.
طبعاً مقولة إن مصالح الولايات المتحدة انتهت ولذلك قررت المغادرة، لا أظن أنّها مقولة تُنبئنا بكل شيء، لأن الصين لديها مصالح هناك وأفغانستان جزء من مصالح الصين، ولعل ترك المجال واسعاً للصين هو في الظاهر على الأقل لا يمكن أن ينسجم مع ما يسوقه البيت الأبيض من انتفاء المصلحة باعتبار أنه منطقياً ليس من صالح الولايات المتحدة الانسحاب لصالح الصين.
إننا نركز على التشكيك في مقولة انتفاء المصالح الأميركية لأنها مقولة عندما نتمعنها جيداً ونقلّبها من الأبعاد كافة سنجد أنها غير منطقية. لذلك فإني أميل إلى قراءة كون المصلحة الأميركية حالياً تغيرت.
إذن ما حصل هو أن الولايات المتحدة كشفت عن مصلحتها بالتكتم عليها.
ماذا نفهم من كل هذا؟
لقد تمّ التركيز طيلة السنوات الماضية على علاقة الحركات الإسلاموية بالإرهاب، وفاتنا معطى مهم جداً وهو أن هذه الحركات هي أدوات من أجل إرهابنا. فهروب الأفغان على مرأى من العالم خوفاً من «طالبان» هو معايشة حقيقية للإرهاب، وهي صورة فعلت فعلها لدى الآخر. ولقد تم توظيف أكثر الحركات الإسلامية سلفية وشمولية ودوغمائية ووحشية حتى يتم ضمان حدوث الإرهاب النفسي، وأيضاً توجيه رسائل تهديد مقنعة. بمعنى آخر، فإن الحركات المتطرفة ليست فقط حركات إرهابية بل هي أيضاً أدوات في يد غيرها لإرهابنا.
وربما يعنّ للبعض القول إن محاربة الإسلام السياسي قد عادت إلى الوراء بعد أن عادت حركة «طالبان» إلى الحكم ومن ثم السيطرة على دولة ذات موارد ونفط وحجارة تصلح للصناعات الثقيلة المتقدمة.
لقد أوقعت الولايات المتحدة البعض خصوصاً الصين في أخطبوط جديد من الأزمات المعقدة، التي ستكون فواتيرها باهظة جداً. وبقدر ما تكون مصالح الولايات المتحدة في مسارها وغير مهددة ستكون حركة «طالبان» عاقلة ضابطة لغرائزها.