كلارا فيريرا ماركيز
TT

الواقع الاقتصادي يدفع روسيا نحو القبول بحقائق التغيّر المناخي

هل تدق أجراس الإنذار المناخي في الكرملين؟ تشير التصريحات الرسمية والحاجة الملحة المكتشفة حديثاً إلى أن واقع الطلب العالمي الأكثر اخضراراً قد يرغم عملاق الوقود الأحفوري على قبول ما لا مفر منه في نهاية المطاف.
في الأسبوع الماضي، وفي اجتماع وزاري تطرق إلى المراقبة البيئية، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولين من أن درجات الحرارة قد ارتفعت في روسيا على مدى العقود الأربعة الماضية أو نحوها بما يقرب من ثلاثة أضعاف سرعة ارتفاع المتوسط العالمي. وأشار إلى أن التغيرات المناخية هي السبب في حرائق الغابات التي تجتاح سيبيريا. وقد شرع في وقت سابق بتخصيص جانب كبير من خطاب حالة الأمة في أبريل (نيسان) للحديث عن المناخ، واعتبر ذلك مجالاً للتعاون المحتمل مع الولايات المتحدة، وأمر المسؤولين بوضع خطة لخفض الانبعاثات، بحلول شهر أكتوبر (تشرين الأول). مما يعد تغيراً كبيراً في نبرة زعيم طالما سخر من الطاقة المتجددة.
لا يوجد تحول كبير هنا. وهذا ليس من قبيل الحماسة أو الأعمال الجوهرية. ولكن الواقعية تعني التقدم. إن التشريع الذي تم التوقيع عليه في الشهر الماضي يلزم الشركات التجارية بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، من بين بنود أخرى، وهو أمر بعيد كل البعد عن كونه خطوة ضرورية نحو نظام تجاري نهائي، والأمر البالغ الأهمية أنه قانون تم سنه بعد سنوات من المناقشات. وتعد خطة الهيدروجين من الأنباء السارة أيضاً، حتى ولو كانت المصادر غير المتجددة لا تزال شديدة التأثير.
عاجلاً أكثر من المتوقع، وجد نظام بوتين المعتمد على الهيدروكربون نفسه يشهد الأسواق الرئيسية تفر بينما تستهدف الصين الانبعاثات الصفرية الصافية، وتقدم أوروبا تدابير تشمل فرض ضريبة على واردات الصناعة الثقيلة التي تفشل في تلبية معايير حماية المناخ. وبعد أن أشادت موسكو بالفوائد الاقتصادية لدرجات الحرارة الأكثر دفئاً وقاومت التحول لسنوات، وجدت أنها غير مستعدة، والآن تزيد من تكلفة التقاعس عن العمل - وتختلف التقديرات، ولكن ضريبة حدود الكربون الأوروبية وحدها قد تعني ما يصل إلى 3.8 مليار يورو، أو 4.5 مليار دولار، سنوياً للمصدرين الروس، وفقاً لمؤسسة KPMG المحاسبية. هناك أيضاً احتمال أقل جاذبية يتمثل في التخلف عن الركب من الناحية التكنولوجية.
الأمر ببساطة أن الانتقال لم يُترك فقط بين أيدي منتجي الطاقة في العالم أو لمصدري المنتجات المعتمدة بكثافة على الطاقة. أما البلدان المستهلكة التي تتمتع بقدر كبير من الحوافز الدافعة إلى الحفاظ على البيئة فهي تلك التي تُملي الخُطى وسوف تتحرك، سواء بمشاركة موسكو أو بدونها.
وعليه، فإن المناقشة لا تدور حول الزعامة المناخية بقدر ما تدور حول إدارة المخاطر، كما أخبرني موقع «كربون تراكر» التابع لمؤسسة «كينغسميل بوند» البحثية التي تتخذ من لندن مقراً لها. الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لروسيا - حوالي خمسي الصادرات الروسية ذهبت إلى الكتلة الأوروبية في النصف الأول من عام 2021 - وجزء من ذلك في المجالات كثيفة الكربون التي تضررت جراء الضريبة الجديدة، مثل الصلب والأسمدة والإسمنت.
وذلك قبل النظر في الفاتورة الباهظة من تأثير الطقس الشديد وذوبان الجليد الذي قدره ألكسندر كوزلوف، وزير الموارد الطبيعية والبيئة، في وقت سابق من هذا العام أنه قد يصل إلى أكثر من 67 مليار دولار بحلول عام 2050، نظراً لتأثيره على البنية التحتية الحيوية.
والواقع أن الشركات الروسية، وخاصة الأكثر مرونة أو المتضررة بشكل مباشر من الضريبة الأوروبية، بدأت بالفعل في تغيير المسار، فتقدمت نحو أهداف الانبعاثات الصفرية الصافية. ذكرت شركة «روسال» الروسية العملاقة للألومنيوم أنها تعتزم فصل معدنها الأخضر عن الأصول الأكثر تلويثاً. وهو حل غير كامل إذا شرعت فيه، ولكن قد يكون له تأثير إيجابي متتالٍ على الأمد البعيد.
وفوق كل هذا، لنتأمل كيف تتغير الحوافز الاقتصادية الأوسع نطاقاً التي تحرك روسيا: فلم يعد الوقود الأحفوري المحرك الأساسي للنمو في الماضي، حيث بلغ إنتاج النفط ذروته أو اقترب منها. فضلاً عن ذلك فإن المناخ مجال تستطيع روسيا فيه أن تتحدث كشريك متساو، لا يرزح تحت وطأة العقوبات.
وما زالت روسيا تمتلك العديد من الأسباب السياسية التي قد تدفعها إلى التمسك بهذه المواد القذرة، وخاصة إذا ما استقرت الأسعار، مع الاستمرار في تطوير حقول النفط والغاز في القطب الشمالي. فهي لا تزال أكبر مصدر للطاقة الأولية في العالم، ولا حتى تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المدعومة من الأمم المتحدة هذا الأسبوع، والذي يشير إلى كارثة مناخية، سوف يغير ذلك في أي وقت قريب. فالأنظمة الاستبدادية غير مرنة، والنخب الروسية تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط والغاز. وفي حين أن بعض الشركات قد تحولت بالفعل، فإن تخصصات النفط مثل شركة «روزنفت» للنفط، التي تشكل الأساس للسياسة الروسية، لا تزال غير مواكبة للتطورات بالسرعة التي تسير بها عملية التحول البيئي، ولا تزال عاجزة عن النظر إلى المستقبل البعيد بالقدر الكافي.
الأول يتلخص في العمل نحو إنشاء نظام محلي لتسعير الكربون. هذا ليس احتمالاً على المدى القريب، لكن بالنظر إلى سجل روسيا في الإدارة المالية الكفؤة والبراغماتية، كما يقول إندرا أوفرلاند، العالم المتخصص في سياسات الطاقة في المعهد النرويجي للشؤون الدولية، إن ذلك ممكن، وطريقة فعالة لحفظ الأموال في روسيا.
ويتلخص العامل الثاني في دعم الاستثمار في القطاعات الخضراء التي لا تقلب النظام رأساً على عقب ولكنها تعزز القدرة التكنولوجية، التي تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لموسكو، وتكسب المال عن طريق الطاقة المتجددة، التي تتمتع روسيا فيها بإمكانات ضخمة نظراً لحجمها الهائل. والأفضل من هذا، الهيدروجين، وخاصة إذا كان منخفض الكربون، الذي قد يحظى بدرجة من الاستمرارية مع بنية الطاقة الحالية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»