وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

لماذا اتجهت السعودية إلى ألمانيا للهيدروجين؟

هناك العديد من الدول التي تبنت الهيدروجين وقوداً للمستقبل وبدأت في تطوير سياسات وطنية لإنتاجه وجعله الوقود الأول لها. ولكن ما الذي جعل الحكومة السعودية تتوجه إلى ألمانيا بالتحديد لتوقع معها مذكرة تفاهم كما جاء في إعلان مجلس الوزراء السعودي ليلة الثلاثاء؟
في نظري هناك سببان رئيسيان: الأول هو أن ألمانيا لديها أكثر السياسات الأوروبية طموحاً فيما يتعلق بالهيدروجين، وهذا يتقاطع مع طموح المملكة. والثاني يتعلق بمشروع نيوم ويتمحور حوله.
بالنسبة للسبب الأول، فإن ألمانيا أعلنت منتصف العام الماضي عن سياستها الوطنية لإنتاج الهيدروجين، وكانت هي الدولة الأولى في الاتحاد الأوروبي؛ بل سبقت الاتحاد نفسه في تبني سياسة وطنية للهيدروجين.
هذه السياسة لديها مستهدفات استراتيجية مهمة للمملكة، من بينها أن الهيدروجين الذي تستهدفه ألمانيا هو الهيدروجين الأخضر الصديق للبيئة الذي يتم إنتاجه من الطاقة المتجددة من خلال تمرير المياه في عملية كهربائية لفصل الأكسجين عن الهيدروجين. هذا الهيدروجين هو الذي تريد المملكة إنتاجه من خلال مشروع «هيليوس» في «نيوم» بالشراكة مع «أكوا باور» السعودية و«إير برودكتس» الأميركية.
مستهدف آخر؛ هو رغبة ألمانيا في التوسع في استخدام الهيدروجين وقوداً للسيارات، وهذا يتقاطع تماماً مع ما تتوجه إليه المملكة من خلال شركة «أرامكو» التي لديها مشروع مصغر في هذا المجال، وهناك ما بين 7 و8 سيارات تعمل بالهيدروجين لدى «أرامكو» من طراز «تويوتا ميراي». ولدى «نيوم» التوجه نفسه كذلك لاستغلال هذا المورد المهم للوقود. وهنا بإمكان «نيوم» و«أرامكو» تعلم الكثير من التجربة الألمانية في محركات وسيارات الهيدروجين. في الوقت ذاته؛ ألمانيا لا يمكنها المنافسة في سوق السيارات الكهربائية؛ إذ إن هذه السوق هيمنت عليها الشركات الأميركية مثل «تسلا»، وهناك «لوسيد» القادمة... وغيرها. ويبقى المجال خصباً لألمانيا في الهيمنة على سوق سيارات الهيدروجين.
ولعل أهم المستهدفات التي تفيد المملكة مستهدف التجارة الدولية في مجال الهيدروجين؛ إذ ترحب ألمانيا بالتعاون مع كل الدول التي تسعى لتصدير الهيدروجين، وسيكون ذلك داعماً لتحقيق مستهدفات ألمانيا الداخلية للوصول إلى أهدافها البيئية بحلول 2030 أو الحياد الكربوني بحلول 2050. وهنا سيكون لمشروع مثل «نيوم» دور كبير، حيث تتجه أنظار «نيوم» إلى اليابان وكوريا مثلما تفعل «أرامكو» من خلال تصدير الهيدروجين الأزرق لمثل هاتين الدولتين، ولكن مع السياسة الألمانية الجديدة؛ ستكون ألمانيا سوقاً مهمة للمملكة مستقبلاً.
ولا يمكننا أن نغفل هنا حجم المبالغ المرصودة للخطط الألمانية؛ حيث تسعى ألمانيا إلى إنفاق ما يفوق 10 مليارات يورو على خطتها؛ وهذا يعني أن بإمكان المملكة من خلال صناعة الهيدروجين بها أن تستقطب استثمارات ألمانية في مختلف الأشكال؛ أقلها هو الإنفاق من خلال اتفاقيات تمويل الواردات، حيث يمكن لأي مشروع سعودي للهيدروجين الحصول على قروض لتمويل واردته من المواد والمعدات الألمانية.
وبالنسبة للعنصر البشري؛ فإن الألمان لديهم كثير من الخبراء في المجال، وبعضهم يعملون في مشروع «نيوم». ويرأس قطاع الطاقة في «نيوم» الهولندي بيتر تيريم الذي عمل وترأس شركات الطاقة الألمانية قبل مجيئه إلى «نيوم»، وهذا عامل مهم للتقارب بين المشروع وألمانيا.
أخيراً؛ إذا ما نظرنا للمستقبل، فإن الهيدروجين هو وقود المستقبل، وسيارات الهيدروجين في نظري هي الأكثر استدامة من السيارات الكهربائية، ولهذا فإن التقارب السعودي - الألماني مهم لتطوير ونمو صناعة الهيدروجين في البلدين، وشراكة حقيقية.