النزاع بين القلب والعقل قديم... كلٌّ يرجو وداد صاحبه. ولذلك يقال: «استفتِ قلبك». ويشير الحديث النبوي الآخر ببلاغة إلى تلك «المضغة» في الجسد التي «إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وبالفعل، فقد اكتشف العلماء في التسعينات أمراً صادماً للمجتمع الطبي عندما وجدوا أن هناك شبكة عصبية في قلب الإنسان فيها 40 ألف خلية متخصصة. أطلق على خلاياها «الأعصاب الحسية». تشبه تلك الموجودة في الدماغ. وبحسب الدكتور أندرو آرمور اختصاصي الأعصاب الكندي الذي شارك في أبحاث في معهد هيرت ماث الأميركي، فإن خلايا القلب تفكر بصورة مستقلة عن أدمغتنا، وتشعر، وتستشعر، بمعنى أن القلب يفكر بشكل مستقل عن العقل. واللافت أن شبكة أعصاب القلب قد كشفت أن له ذاكرة، مثل الدماغ. وربما هذا مصداق قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ».
إذن قلوبنا تتحدث بلغة مختلفة عن أدمغتنا، إذ لا تستند بالضرورة إلى الكلمات المجردة. فالدماغ يتلقى تعليمات من القلب ليخبره بما يتوجب عليه فعله. وذلك نابع من شعورنا تجاه مجريات الأحداث من حولنا. والقلب هو ما يشعرنا بوخز الضمير الذي لا يجدر بنا تجاهله.
وعليه، فإن القلب يساعدنا في اتخاذ قرارات. ولذلك عندما نُدَرّس اتخاذ القرار في الجامعات، نتوقف ملياً عند فصل مهم وهو «الحدس»، الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من عملية اتخاذ القرار. حيث يستند الحدس إلى أمور عدة منها: القيم والأخلاقيات، والخبرة، والمشاعر، والمعرفة، والمهارات، فضلاً عن العقل الباطن. الحدس ينبوع القلب.
ويتجلى الحدس لدى الأم مع رضيعها، ولدى الطيارين العسكريين، والمستثمرين المخضرمين، والأطباء المهرة. حتى الشخص العادي قد يتبع حدسه عند اتخاذ طريق أطول تفادياً لازدحام متوقع، أو عند تحاشي أحاديث سخيفة سرعان ما تتحول إلى نقاش عقيم متوقع.
إذن ثبت علمياً أن القلب يفكر ويقرر ويعقل مثل الدماغ. وذلك مصداقاً لقوله تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ». فليس كل قرار ناضج صادر من الدماغ، فهناك ما هو عين العقل، لكن مصدره القلب.