جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

ما أصعب السفر... لولا فسحة الأمل

من أقوال الدلاي لاما الرائعة: «مرة كل سنة، اذهب إلى مكان لم تزره من قبل» بالإشارة إلى السفر واكتشاف الذات والأماكن الجديدة التي تغذي الروح.
ولكن وبعد أكثر من عام ونصف العام من شل حركة السفر، لدرجة أن الطائرات هي ذاتها على وشك أن تنسى شعور التحليق في الأجواء المفتوحة، فيمكن القول بأن الجائحة أضاعت الكثير من حياتنا ومن غذائنا الروحي.
هناك من يقول: «السفر هو عبارة عن كتاب، وهؤلاء الذين لا يسافرون قرأوا صفحة واحدة فقط»، وهذا القول ينطبق علينا اليوم في ظل العزلة التي عانينا منها على مر أشهر طويلة، مما أثر ليس فقط على نمط حياتنا، إنما على ذهننا وذكائنا، لأن التقوقع في مكان واحد ليس مفيداً، كما أن السفر هو حاجة لتوسيع الآفاق والتعلم والتعرف على ثقافات متعددة. وتبقى ذكريات الأسفار راسخة في عقولنا ومن أجمل الصور التي نعود إليها في كل مرة شعرنا بوحدة أو مرارة.
اليوم وبعد رفع الحظر «نوعاً ما»، نلاحظ أن السفر أصبح صعباً وصعب المنال، ففي السنوات العشر الماضية كان السفر متوفراً لشريحة كبرى من المجتمعات بجميع الميزانيات، أما اليوم فعادت الطبقية ترفرف فوق جناح الطائرة وتتخطاها لتصبح حكراً على الطبقة الميسورة.
في الماضي كنا نتأفف من عناء السفر مهما كان مرفهاً، كنا نقول عند عودتنا من أي رحلة: «أشعر بحاجة لرحلة استجمام»، بالإشارة إلى التعب الطبيعي الذي يصاحب أي رحلة، أما اليوم فالتعب والضيق اللذان يرافقانه أكبر وأصعب من جميع النواحي، على رأسها الإجراءات القانونية وكثرة الاستمارات التي يجب عليك أن تحضرها والفحوصات اللازمة والمضللة، لأنها تختلف من بلد إلى آخر، كما أن القوانين تتبدل يومياً ومن دون سابق إنذار.
في بريطانيا ما زلنا نعمل بأسلوب تصنيف البلدان بالألوان، ولكن المشكلة تكمن في تغيير التصنيف خلال رحلتك، ففي الوقت الذي تتمتع فيه بأشعة الشمس في أحد البلدان المتوسطية تسمع بأن البلد الذي تزوره تحول إلى التصنيف الأحمر، وهذا يعني أنه يجب عليك العودة، وبسرعة، وإلا فسيكون الفندق القبيح القريب من المطار باستقبالك على مدى العشرة أيام المقبلة. من جرب هذه العزلة الجبرية وصفها بالسجن والذل...
وفي حال حالفك الحظ ومرت عطلتك على خير، ولم يقرر بوريس جونسون نقل وجهتك من اللون البرتقالي أو الأخضر إلى الأحمر، يأتيك الرعب على مدى 24 ساعة تنتظر خلالها بفارغ الصبر نتيجة «البي سي آر»، قبل يومين من عودتك إلى بلدك، وفي حال كنت برفقة مجموعة من أفراد العائلة أو الأصدقاء، وصادف أن جاءت نتيجة أحدكم إيجابية فسوف يتعين عليكم جميعاً المكوث في الفندق (على نفقتكم الخاصة) لعشرة أيام إضافية، فإذا كان الفندق الذي تسكن فيه غالي الثمن، فأنصحك ببيع أغلى ما تملكه، لأن الكارثة المادية ستكون وخيمة.
بعد عيش معركة أعصاب ترشح النتائج، ولكن لا تنتهي تعقيدات السفر هنا، لأنه سيتعين عليك شراء فحصي «بي سي آر» ليكونا بانتظارك في منزلك حال عودتك إليه بالسلامة، ولا يمكنك التلاعب بالموضوع، لأن استمارة تحديد مكانك الخاصة بالحكومة البريطانية سوف تطلب منك رمز الشراء الخاص بالفحصين. ونسيت أن أبلغكم وبخالص الحزن والأسى أنه يتعين على المسافر دفع ثمن الفحوصات، في وجهة السفر 55 يورو، وفحوصات العودة 55 جنيهاً إسترلينياً للشخص الواحد.
ففي وقت تضغط الكمامة على أنفاسك، لأنها لا تزال رفيقة السفر من باب المطار إلى الطائرة إلى جميع الأماكن العامة الأخرى، فالضغط النفسي يضغط على نفسيتك.
السفر حالياً ليس لأصحاب القلوب الضعيفة، ولا لأصحاب الجيوب الخفيفة، السفر اليوم لا يزال ينتظره فينة من الزمن لكي يعود إلى ما كان عليه قبل الجائحة. ويبقى الأمل هو الرجاء الوحيد لتخطي الأزمة وعودة رونق الأسفار والرحلات.