علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

الركابي وطه حسين وشيخه محمد الغزالي

في تقديم محمد عبد الله السمان -وهو من أشهر كتاب «الإخوان المسلمين» الصحافيين- لأول كتاب لزين العابدين الركابي، وهو كتاب «النور أولى» الصادر في ديسمبر (كانون الأول) عام 1961، قال -قبل أن يذكر لقاءه به لأول مرة وطلبه منه أن يراجع كتابه وأن يقدم له: «عرفت أخي الأديب الشاب، زين العابدين الركابي منذ سنوات، فقد كانت رسائله تصلني من حين إلى آخر. إما متسائلاً تساؤل الأديب عن معنى من المعاني الإسلامية وإما معقّباً تعقيب القارئ الواعي على كتاب أخرجته، أو مقال كتبته».
وقال في فقرة قبل الفقرة الختامية من مقدمته: «وبعد - فالأديب المؤلف كتب أفكاراً خصبة، وأثار قلمه من المعاني الحية ما يشهد بسعة أفقه، وعمق تفكيره، ولكن هذه الأفكار وتلك المعاني كانت في حاجة إلى جهد في تنسيقها وتنظيمها، وربط بعضها ببعض حتى تتكامل عناصر واضحة المعالم وخطوطاً بارزة تحدد فكرة الكتاب، كما أن أسلوب الأديب الشاب كثيراً ما كان يتسلل إليه الانفعال بدرجة قصوى، وربما كان مصدر هذا الانفعال الغيرة المتدفقة، ويظهر أن صلته بواقعية الإسلام المغلوب على أمره وثيقة، فعباراته امتزجت بالقوة والألم معاً».
وكما ترون، فإن ملحوظته على أسلوب الكاتب أوردها مشفوعة باعتذار له. وأجَّل تلمسه العذر للكاتب في الملحوظة الأولى التي أبداها، ليكون الفقرة الختامية في تقديمه. إذ قال: «إن الكاتب وإن كان قدم لنا باكورة إنتاجه الأدبي، إلا أن القارئ سيحس بنضوج فكره، وعمق أسلوبه، ولا يعيب كاتباً ناشئاً كثيراً، حاجته إلى التنسيق والتركيز، ما دامت كانت المعاني التي تناولها تنبض بالقوة والحياة، والأفكار التي ناقشها تمتزج بالمنطق والحجة الساطعة».
وقد طلب زين العابدين الركابي من الشيخ محمد الغزالي أن يكتب كلمة في كتابه الأول. فكتب كلمة قصيرة أجزل فيها الثناء على الكتاب والكاتب. قدم لها زين العابدين الركابي قائلاً: «تفضل أستاذنا فضيلة الشيخ محمد الغزالي بهذه الكلمة التقديرية للكتاب. وإني لأشكر فضيلته على هذا التقدير وأعتز به، وحسبي من فضيلته أن ينال كتابي هذه اللمسة الطيبة من قلمه».
دار الزمن دورته بالأستاذ والتلميذ من عام 1961 إلى أن وصل بهم إلى عام 1976، فكتب الأستاذ والتلميذ بحثين لندوة «الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية: النظرية والتطبيق» المعقودة في الرياض، يحملان العنوان نفسه: «النظرية الإسلامية والعلاقات الإنسانية»، وكان الأستاذ حينها يعمل مديراً لقسم الدعوة في جامعة الملك عبد العزيز - فرع مكة، والتلميذ يعمل مديراً للتحرير في مجلة «المجتمع» الإسلامية، والمقارن بين بحثيهما سيجد أن التلميذ تفوّق على أستاذه في التنظير وفي سعة الثقافة.
اقتبس زين العابدين الركابي في كتابه «النور أولى» مرتين من كتاب «فقه السيرة» مع ذكر اسم مؤلفه الشيخ محمد الغزالي، واقتبس من كتاب «حقيقة الشيوعية» لكنه لم يذكر اسم مؤلفه. وقد حسبت أن الكتاب المقتبس منه هو كتاب علي أدهم «حقيقة الشيوعية» الذي صدر ضمن سلسلة «اخترنا لك»، وهو كتاب مشهور في عقدي الخمسينات والستينات، ولما قرأته مرة أخرى بحثاً عن هذا الاقتباس لم أجده فيه.
ولو أنه اقتبس من هذا الكتاب لَكان شذّ في ذلك عن اتجاه «الإخوان المسلمين» العام. فـ«الإخوان المسلمون» والإسلاميون عموماً في كتاباتهم الناقدة للشيوعية نادراً ما يقتبسون من هذا الكتاب على أهميته، لأن جمال عبد الناصر كتب مقدمة له.
وذهبت إلى ببليوغرافيا المكتبات العامة أبحث عن اسم مؤلف الكتاب، فلم أعثر إلا على كتاب واحد يتضمن عنواناً شارحاً، هذا الكتاب هو: «حقيقة الشيوعية: خططها وأهدافها». مؤلفه اسمه مالك، صادر عن مطبعة السلام في بغداد عام 1958، ولا أدري إن كان هذا هو الكتاب المقتبس منه أم أنه كتاب آخر.
ومالك هذا هو مالك سيف أحد قادة الحزب الشيوعي العراقي الشهير عند المثقفين غير الشيوعيين في المشرق العربي باعترافاته على الشيوعية واعترافاته على الحزب الشيوعي العراقي في هذا الكتاب وكتب أخرى كـ«كفاح الأحرار» و«تجربتي في الحزب الشيوعي» و«الشيوعية على السفود» و«للتاريخ لسان: ذكريات وقضايا خاصة بالحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه حتى اليوم»، وهو شهير عند الشيوعيين العراقيين بأنه يهوذا الإسخريوطي، الخائن لرفاقه الشيوعيين ولعقيدته الشيوعية.
الاقتباس من كتاب مع عدم ذكر اسم مؤلفه تكرر مع كتاب اسمه «الصداقة». ويظهر لي من النص المقتبس أنه كتاب سياسي مترجم إلى العربية لمؤلف أميركي صادر في نفس العام الذي صدر فيه كتاب الركابي. فالاقتباس كان عن إنشاء جون كيندي في مارس (آذار) عام 1961 مشروعاً سماه «جيش السلام».
حدّثنا مقدم الكتاب محمد عبد الله السمان في مقدمته -كما سلف- أن زين العابدين الركابي طلب منه مراجعة الكتاب والتقديم له. وقد استجاب لطلبه الثاني وأهمل طلبه الأول. فلو أنه راجع الكتاب لـ«جهد المؤلف في تنسيق وتنظيم أفكاره الخصبة ومعانيه الحية وربط بعضها ببعض، فتكاملت عناصر واضحة المعالم، وخطوطاً بارزة تحدد فكرة الكتاب».
ولو أنه راجعه لنبّه المؤلف إلى ذكر اسم مؤلفي كتابَي: «حقيقة الشيوعية» و«الصداقة». وعملٌ كهذا لا يحتاج من المؤلف إلى أي جهد.
لا أجد تفسيراً لإخفاء زين العابدين الركابي في مطلع شبابه اسمَي صاحبَي هذين الكتابين سوى أنه في ذلك العمر الطريّ كان لديه شرط غير معلن في استحقاق أن يذكر اسم المؤلف إلى جوار اسم كتابه، وهو أن يكتب «كلمة» أو «كُليمة» ثناء عليه وعلى كتابه، كما فعل شيخه الغزالي معه ومع كتابه!
ولقد تخلى عن شرطه غير المعلن في اقتباسيه المتتاليين من كتاب «قادة الفكر»، إذ ذكر اسم مؤلفه طه حسين.
وذلك لأنه شتمه في تقديم اقتباسه الأول من كتابه، فقال: «هذا شخص ممن جعلوا رقابهم جسراً للتبشير»!
وبعد أن أنهى الاقتباس منه حرّض عليه، وعلى كتابه «قادة الفكر»، فقال عن كلام طه حسين المقتبس: «كلما قرأت هذا الكلام قلت: إن هذا وحده، يكفي لصد الشباب المسلم عن تاريخه وثقافته حيث إن هذا الكلام كان يدرّس ضمن منهج الدراسة الرسمية».
ومهّد للاقتباس الثاني من كتابه، بالقول: «ثم يقول ذلك الشخص ذاته، كأنه كلِّف بهدم تاريخنا ومناهجنا».
هذا النقد المتحامل على طه حسين، هذا إذا استثنينا انقلاب تلميذه محمد محمد حسين الإسلامي عليه في كتاباته عنه والذي لم يكن في الأصل إسلامياً، يعد نقداً متحاملاً مبكراً في تاريخ الإسلاميين، وذلك أن حملة الإسلاميين الدينية العنيفة والمتواصلة على طه حسين بدأت في المنتصف الأخير من السبعينات وأوائل الثمانينات الميلادية.
في الصفحة الأخيرة من كتاب «النور أولى» إعلان من مكتبة «وهبة» ناشرة الكتاب، بأن كتابها القادم، هو «الإسلام... حتى النهاية»، وأن هذا الكتاب تحت الطبع. بحثت عن كتاب بهذا المسمى، ولم أجده. ومن المحتمل أن يكون هذا الكتاب لزين العابدين الركابي. وقد يكون تراجع عن طبعه.
في عام 1970 جمع زين العابدين الركابي، وهو في السودان، مقالات كتبها سيد قطب في مجلة «الدعوة» الإخوانية بين عام 1951 وعام 1952 وعام 1953، ونشرها في كتاب في «الدار السعودية للنشر والتوزيع» بجدة، عنوانه «معركتنا مع اليهود». وقدم له بمقدمة عاطفية وحماسية متطرفة في تثمين سيد قطب. وكتب هوامش في عدد من صفحات الكتاب معلقاً بها على ما يقوله سيد قطب في متن الكتاب.
الدار التي نشرت هذا الكتاب أنشأها الصحافي والكاتب السياسي الإخواني محمد صلاح الدين. وقد كرسها صاحب الدار منذ إنشائه لها عام 1966 لإعادة طبع كتب سيد قطب، وطبع أعمال لم يسبق لسيد قطب أن طبعها في كتب مثل «في التاريخ - فكرة ومنهاج» و«نقد مستقبل الثقافة في مصر» و«الشهادة في سبيل الله» و«الصلاة» و«تفسير سورة الشورى»، واعتنى كذلك بإعادة طبع بعض أعمال المودودي وأبي الحسن الندوي وسواهما من الإسلاميين الحركيين. والغاية من إنشاء هذه الدار أن تكون داراً لسيد قطب ولرفاقه من أصحاب الإسلام الحركي لا داراً للسعودية وللسعوديين، وإن حملت الدار اسم السعودية.
بعد انتقال زين العابدين الركابي من العمل بالكويت في مجلة «المجتمع» الإسلامية إلى العمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1978، صاهر رفيقه في العقيدة الإخوانية والقطبية محمد صلاح الدين، فتزوج من أخته، وذلك بعد انفصاله عن زوجته الأولى أم ابنه البكر في أيامهما الأخيرة في الكويت. ومع أن حادثة الانفصال هذه هي شأن عائلي خاص بهما فإنه على أثرها توترت علاقة السلفيين بـ«الإخوان المسلمين» في السودان. وسبب هذا التوتر، هو أن زوجته الأولى، هي ابنة أبو زيد محمد حمزة، أحد قادة جماعة أنصار السنة في السودان!
في عام 1978 أعادت «دار الشروق» لصاحبها محمد المعلم طباعة كتاب سيد قطب «معركتنا مع اليهود» الذي أعده وعلق عليه زين العابدين الركابي، وكانت «دار الشروق» في تلك الفترة قد حصلت على الحق الشرعي الحصري في طباعة كتب سيد قطب من أخيه محمد قطب. ثم توالت طباعة هذا الكتاب عن هذه الدار في طبعات عديدة.
ثمة ملحوظة أودّ لفت نظر القارئ إليها تخص طبعات «دار الشروق» لهذا الكتاب، وهي أنها نزعت المقدمة التي كتبها زين العابدين الركابي من الكتاب، وأبقت على تعليقاته على ما يقوله سيد قطب في متن الكتاب!
الكتبة الإسلاميون الذين استعانوا بهذا الكتاب في كتبهم وفي مقالاتهم لا يلفتون نظر قارئهم إلى تلك الملحوظة ولا يسألون الدار عن سبب تصرفها هذا. ولا الدار نفسها وجدت أنها بحاجة إلى كتابة توضيح تسوّغ فيه ما فعلته.
ولا شك أن هذا الأمر حدث بعد موافقة زين العابدين الركابي، وناشر الكتاب الأصلي محمد صلاح الدين عليه. وهو أمر من جميع جوانبه لا يعلم بخفاياه سوى العارفين بدهاليز «الإخوان المسلمين» وسراديبهم السرية.
الكتاب مكوّن من تسع مقالات، مبيَّنٌ أسفل بداية كل مقال مكان وتاريخ نشره ما عدا المقال الرابع والمقال الأخير.
المقال الأخير، وهو المقال المعنون بـ«إلى المثاقلين عن الجهاد» -كما يقول محمد حافظ دياب في كتابه «سيد قطب: الخطاب والآيديولوجيا»- مُقتطَع من كتاب سيد قطب «في ظلال القرآن»، ونُشر عام 1970 في كتاب مستقل لكن من دون ذكر مكان النشر.
بلغ عدد تعليقات زين العابدين الركابي على مقالات سيد قطب ثلاثة عشر تعليقاً، ثلاثة منها طويلة وهي منقولة من كتاب مزوّر على اليهود، وهو كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، أتى بها ليؤكد صدق ما ذهب سيد قطب إليه في مقاله الرابع المعنون بـ«اليهود... اليهود!!!».
وسأتوقف عند تعليقه العاشر لمناقشة صحته. وللحديث بقية.