مينكسين بي
TT

شي وبايدن وتجنب الصدام

بعد خمسة أشهر من رئاسته، لم يكن الرئيس الأميركي جو بايدن في عجلة من أمره لتغيير جوهر سياسة سلفه تجاه الصين. فقد حافظ بايدن على الرسوم الجمركية المرتفعة على أكثر من 300 مليار دولار من الواردات الصينية، ووسع العقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية وذهب إلى أبعد من الرئيس السابق دونالد ترمب بإحياء محادثات التجارة والاستثمار الخاملة مع تايوان رغم المعارضة الصينية.
بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي حذر، الخميس الماضي، «القوات الأجنبية» من أنها «ستكسر رؤوسها وتسفك دمها» على «سور فولاذي عظيم» إذا حاولوا التنمر على الصين، ربما لا يبدو بايدن أفضل من ترمب في نظره. فالاثنان بالنسبة له «وحوش من نفس التل»، بحسب المثل الشعبي الصيني. في الواقع، قد يكون بايدن عدواً أكثر شراسة: على عكس ترمب الذي عزل الحلفاء بالإهانات والتهديدات والتعريفات الجمركية، فيما أصلح بايدن تحالفات أميركا ونجح في تشكيل جبهة موحدة نسبياً ضد الصين، ويحظى بايدن بثقة أكبر بكثير من شي في الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، سيكون من الحماقة أن يقوم الزعيم الصيني بشطب بايدن كشريك. ففي حين سيستفيد كلا الجانبين من علاقات أكثر استقراراً ويمكن التنبؤ بمستقبلها، فإن الصين لديها الكثير لتكسبه من إعادة الارتباط. من الناحية الاقتصادية، قد يؤدي استئناف المحادثات رفيعة المستوى إلى كبح عملية الفصل الاقتصادي التي بدأتها حرب ترمب التجارية. وقد يؤدي الحوار أيضاً إلى نزع فتيل اختبار الإرادة الخطير بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان. وبصفتها الخصم الأضعف، ستخسر بكين بالتأكيد المواجهة مع الولايات المتحدة إذا اندلعت أزمة اليوم.
الأهم من ذلك، رغم سياساته الصارمة، يظل بايدن هو أفضل احتمالات لدى الصين لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة. ما يحتاج القادة الصينيون إلى فهمه هو أنه، في المستقبل المنظور، فإن الكراهية القوية من الحزبين تجاه بكين والمشاعر العريضة المناهضة للصين في المجتمع الأميركي سوف تبقي على السياسات المتشددة تجاه الصين، بغض النظر عن الحزب الذي يحتل البيت الأبيض. في الوقت نفسه، هناك اختلافات جوهرية بين سياسة بايدن تجاه الصين وسياسة ترمب وخلفائه الجمهوريين المحتملين.
بينما يرى بايدن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المقام الأول أنها اختبار للنظام - الديمقراطية أو الاستبداد - الذي يعمل بشكل أفضل، ينظر القادة الجمهوريون إلى «المنافسة الاستراتيجية» لأميركا مع الصين على أنها صراع بلا قيود من أجل التفوق الجيوسياسي. العنصر المركزي في استراتيجية بايدن تجاه الصين هو جهوده لإعادة بناء القوة الأميركية. وهذا يتطلب معالجة عدم المساواة وضعف البنية التحتية والعنصرية وتآكل الديمقراطية في الداخل. لا يمكن للقادة الصينيين أن يحسدوه على محاولته أو يعرقلوا جهوده بشكل مباشر.
من ناحية أخرى، فإن الجمهوريين مقتنعون بأن الطريقة الأضمن لكسب حرب باردة أخرى هي تقويض القوة الصينية، من خلال الفصل الاقتصادي والمواجهة الدبلوماسية وزيادة الإنفاق العسكري وتصعيد الضغوط الأمنية. سيستمر بعض هذه المنافسة بغض النظر عمن في السلطة. لكن في ظل حكم بايدن، من المرجح أن تتخذ شكلاً أقل عسكرة، وبالتالي أقل خطورة.
إن بايدن ورفاقه الديمقراطيين يفهمون تماماً مخاطر الحرب الباردة الجديدة. فسباق التسلح مع الصين من شأنه أن يعرقل جدول أعماله لإعادة بناء أميركا. سيتم امتصاص موارد هائلة في الإنفاق الدفاعي. يمكن أن تمول 750 مليار دولار إضافية مطلوبة سنوياً العديد من البرامج الاجتماعية التي كان الديمقراطيون يناصرونها لسنوات. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي حرب باردة جديدة إلى تعزيز قوى اليمين المتطرف في الداخل وتغذي كراهية الأجانب.
على عكس الصقور الجمهوريين الذين لا يرون مجالاً للتعاون مع الصين في أي قضية، بما في ذلك تغير المناخ، يعتقد بايدن أن العمل مع الصين ليس ممكناً فحسب، بل هو أمر حيوي في التعامل مع القضايا العالمية، بما في ذلك الأوبئة ومنع انتشار الأسلحة النووية. يمكن أن يكون مثل هذا التعاون بمثابة ثقل لتهدئة التوترات والعلاقات المستقرة.
لهذا السبب، يجب على الصين أن ترحب بأي دعوة من إدارة بايدن للانخراط في محادثات رفيعة المستوى. تتطلب العديد من القضايا الثنائية، التشاور والتفاوض الفوريين لتجنب المزيد من التدهور في العلاقات. على الجبهة التجارية، ستنتهي اتفاقية المرحلة الأولى في غضون ستة أشهر. وستكون هناك حاجة إلى تمديد قصير الأجل أو مفاوضات جديدة لتجنب تصعيد لا داعي له.
العديد من القضايا المتعلقة بالوباء، مثل تخفيف قيود السفر والسعي إلى بروتوكولات مقبولة للطرفين لإجراء تحقيق موضوعي غير مسيّس في أصول جائحة «كوفيد – 19»، تنتظر أيضاً الحل.
والأولوية القصوى للصين هي استعادة الاستقرار الاستراتيجي. فمع انشغال جيشي البلدين بالتخطيط للحرب، يجب على بايدن وشي التأكد من عدم اندلاع مثل هذا الصراع أبداً. سيتطلب ذلك من بكين وواشنطن التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات أساسية حول كيفية تجنب الصدام المباشر في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
فشلت محاولة الصين الأولى لإشراك إدارة بايدن في اجتماع رفيع المستوى في ألاسكا في منتصف مارس (آذار) الماضي فشلاً ذريعاً. وهذه هي فرصة شي الثانية. ستساعد إعادة المشاركة الناجحة مع إدارة بايدن في تحديد المجالات التي يجب فيها إدارة التوترات وتلك التي يمكن أن تبدأ فيها خطوات صغيرة نحو التعاون. وإذا استأنفت الصين الحوار واتخذت خطوات استباقية لمعالجة مخاوف الولايات المتحدة، فيمكن أن يأمل شي على الأقل في إقامة علاقة أكثر استقراراً مما سيكون ممكناً في ظل أي بديل جمهوري يمكن تصوره. وسيكون من الحماقة أن يفوّت الفرصة.