راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

انتخاب رئيسي مجرد خليفة لخامنئي؟

عن أي «فجر إيراني جديد» تتحدث صحف المحافظين في إيران، بعد فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات، التي حملت في نتائجها ومضمونها، وعبر الأرقام التي خرجت من صناديق الاقتراع، الخيبة الضمنية للجميع، سواء للنظام و«الحرس الثوري»، وسواء أيضاً للإصلاحيين، هذا في حين ترتفع الآن في شكل غير مسبوق الدعوات من منظمات دولية إلى التحقيق مع الرئيس المنتخب لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وفي حين يحذّر «معهد الدفاع عن الديمقراطية» الأميركي من رفع العقوبات التي تفرضها عليه واشنطن بسبب جرائمه؟
عشية الانتخابات يوم السبت الماضي، حث المرشد علي خامنئي على الإقبال بأعداد كبيرة على التصويت، معتبراً أن ذك يشكّل عرضاً للقوة على النحو الذي سيخفف الضغوط على إيران، وقال في خطاب بثه التلفزيون «في أقل من 48 ساعة سيقع حدث مهم في البلاد، وبحضوركم وتصويتكم ستحددون في الواقع مصير البلاد في كل القضايا الرئيسية»، وإذا أضفنا دعوات «الحرس الثوري» التي دعت إلى التصويت بكثافة، يصبح واضحاً أنه كان من المطلوب أن تشكّل هذه الانتخابات، استفتاءً شعبياً على تأييد النظام، أكثر منها عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد.
لكن هذا «الاستفتاء» كان عملياً مخيباً ضمناً، بعدما أعلن أن نسبة المشاركة كانت 48.8 في المائة، وهي الأدنى في أي استحقاق رئاسي في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979، وهو ما يحمل أيضاً رسالة إلى خامنئي شخصياً، الذي كان من الواضح تماماً أنه يتبنى رئيسي (60 عاماً)، الذي يرجح أن يكون خليفته، وخصوصاً أنه قد بلغ تقريباً 82 عاماً، وأنه يحظى بدعم قديم منه ومن «الحرس الثوري»!
لكن خيبة الأرقام كانت أشد وأعمق بالنسبة إلى التيار الإصلاحي، وخصوصاً أن الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، وجّه عشية الانتخابات دعوة إلى التصويت ضد مرشح النظام رئيسي، وترافق ذلك مع اصطفاف بين الأحزاب الإصلاحية لدعم المرشح عبد الناصر همتي، وقال خاتمي «آمل أن يسعى الناس إلى المشاركة ليحبطوا المشروع الذي يريد تسليم السلطة إلى تيار يعمل على تعطيل صناديق الاقتراع... يجب أن يحضر الناس في المشهد الانتخابي لإحباط ما تم إعداده رغم غياب المرشح المثالي لهم».
لكن النتيجة كانت مخيبة، لا بل مُحطمة، عندما لم يحصل همتي إلا على 2.5 مليون صوت، في حين كان الإصلاحيون يراهنون على أن يحصل أقلّه على 10 ملايين صوت، وهو ما اعتبره كثير من المراقبين طلقة رحمة على رؤوس الإصلاحيين بعد مرور 24 عاماً على حياتهم السياسية.
في المقابل، قال المراقبون، إن المقاطعين للانتخابات، شكلوا الناخب الأكبر والصوت الأعلى في البلاد عندما أدلى 800 ألف مشارك في الانتخابات بأوراق بيضاء في مقاطعة غير مباشرة، بينما بلغ عدد المقاطعين كلياً 34 مليون شخص (رئيسي حصل على 17 مليوناً و926 ألف صوت من أصل 28 مليوناً و993 ألف ناخب شاركوا في الانتخابات، أي أقل من نصف الناخبين المسجلين)؛ وهو ما يعطي رسالة قوية كاستفتاء على النظام وخامنئي و«الحرس الثوري»، وقال البعض إن عدم فهم هذه الرسالة في شكل دقيق وعميق، وفي معناها السياسي والشعبي، يرسم صورة قاتمة للبلاد، وقال المعلّق زيد آبادي مثلاً «أعتقد أن كل شيء بلغ حافة الهاوية والفرصة ضئيلة للغاية»!
لكن الموضوعية تقضي عملياً بالتساؤل، ماذا كان في استطاعة الإصلاحيين أن يفعلوا خلافاً للسياسات التي يحددها المرشد خامنئي ويفرضها عملياً «الحرس الثوري»، ومن الضروري هنا التأمل فيما تمكن الرئيس حسن روحاني أن يفعله فعلاً خلافاً لإرادة المرشد، ففي تصريح وزير خارجيته محمد جواد ظريف قبل أسابيع قال، إن قواعد الدبلوماسية واتجاهات السياسة الخارجية، غالباً ما تكونان في يد «الحرس الثوري»، وهو ما أثار بلبلة في حينه!
الآن، يعني الحديث عن «فجر إيراني جديد» أن السلطات الثلاث، التنفيذية أي الرئاسة، والتشريعية أي مجلس الشورى، والسلطة القضائية باتت في قبضة واحدة عند المرشد الذي يرى المحللون أن اختياره لرئيسي خلفاً له ليس خافياً على أحد، وفي السياق كانت صحيفة «إندبندنت أون صنداي» قد نشرت مقالاً بعنوان «دمية أم رئيس.. قوة جديدة تظهر في إيران بدعم من المتشددين و(الحرس الثوري)»، تناول ما سمته مراحل إعداد إبراهيم رئيسي ليتحول من قاضٍ إلى رئيس بواسطة المؤسسة الأمنية القوية في البلاد.
وجاء في المقال، أن رئيسي كان قاضياً غير معروف نسبياً، عيّنه خامنئي على رأس مؤسسة دينية مهمة في مشهد، إلى أن زاره مسؤولان عسكريان رفيعان في مايو (أيار) من عام 2016، وهما رئيس «الحرس الثوري» آنذاك علي جعفري والجنرال قاسم سليماني، وتقدر الصحيفة أن ذلك اللقاء الذي لم يصدر عنه أي تفاصيل يومها، كان بمثابة تحضير لرئيسي ليكون حامل لواء خامنئي، ثم بعد عام قام رئيسي بمنافسة روحاني في انتخابات الرئاسة ولم ينجح.
ويرى المراقبون، أن رئيسي الذي عمل عام 1988 مع ثلاثة رجال دين متشددين فيما سُمي «لجنة الموت»، التي يزعم أنها أشرفت على الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين، كان يُنظر إليه دائماً في كواليس النظام على أنه يمكن أن يكون السفينة المثالية لطموح المتشددين، لكن من المعروف أن رئيسي انكب في الأعوام الأخيرة على تلميع صورته، فنشر في العام الماضي «وثيقة التطوير القضائي» المكونة من 69 صفحة، وقال فيها، إن أهم أولويتين بالنسبة إلى إيران هما مكافحة الفساد وزيادة كفاءة النظام، مشدداً على أهمية التكنولوجيا والتيسير الديمقراطي وعلى حرية الشعب في تنظيم المسيرات السلمية، وعلى حرية الإعلام وعلانية المحاكمات، وهو ما يتناقض مع كل تاريخه القاتم!
وعشية الانتخابات بدا وكأنه يوجه رسالة ترضي خامنئي، إلى محادثات فيينا عندما قال، ليس هناك من جدوى من المحادثات مع القوى العالمية لرفع العقوبات الأميركية عن إيران «وإن بعض الساسة يعقدون محادثات كي يروا ما يمكنهم الحصول عليه من الغربيين، ولكن إذا عقدوا جلسات داخل البلاد حول كيفية الإنتاج وإزالة العراقيل لكان كثير من المشكلات قد حُل»!
الآن، وقد صار رئيسي رئيساً في طليعة المتشددين طبعاً، ليس من الواضح بعد كلامه عن حل مشكلات إيران الاقتصادية داخلياً كيف سيواجه ثلاثة تحديات عميقة، وهي الاقتصاد المنهك بسبب العقوبات التي لم ترفع بعد، والريال المحطم وقد خسر 80 في المائة من قيمته أمام الدولار، وتراجع التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 85 في المائة منذ عام 2017، وليس في وسع تشديده على بناء علاقات تجارية وأسواق تصدير مع الحلفاء الإقليميين وإلى علاقات أقوى مع الصين وروسيا أن يحل مشاكل إيران الاقتصادية الصعبة!
المتحدثة باسم البيت الأبيض نيد برايس قالت، إن العملية الانتخابية كانت مصطنعة وتفتقر إلى الحرية والنزاهة، ورأت واشنطن أن أي انتهاك لحقوق الإنسان سيتحمله رئيسي، الذي سارع في أول مؤتمر صحافي عقده، إلى إعلان إغلاق الباب أمام «الاتفاق الأشمل» في مفاوضات فيينا «وإن القضايا الصاروخية والإقليمية غير قابلة للتفاوض»، مطالباً واشنطن برفع سريع للعقوبات عن إيران، ولم يتردد في التبرير والدفاع عن سجلّه في الإعدامات!