هالة محمد جابر الأنصاري
- الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين
TT

دعوة لإعادة النظر في «الصورة النمطية» للمرأة العربية

إن ما دفعنا لكتابة هذا المقال هو تكرار ذات الطرح عن استمرار إشكال «التنميط» تجاه المرأة بقيوده المنسوجة عبر الزمن، وهو إشكال يصل التدويل، على فكرة إذ لا يخلو بيان ولا مؤتمر ولا نقاش، عندنا أو عندهم، إلا وكانت «الصورة النمطية» في نسختها التي لا تتبدل... شبحاً يلاحق المرأة أينما سارت أو اتجهت، فهي كما هي ضمن الكتب الدراسية وفي الدراما التلفزيونية والإعلانات التجارية، بل تتحول هذه الصور إلى ساحة لندب الحظ واللطم على واقع عقيم ومجتمع لا يتطور... مهما بُذل على الضفة الأخرى من أنهار التعليم والتنوير والتمكين والتجديد بسعيها الضمني إلى تقريب صورة المرأة من واقعها المتغير للأفضل... أكثر من بقائها كصورة ذهنية أبدية، فهي في وادٍ وكل ما يحصل واقعياً في وادٍ آخر!
ولمزيد من التوضيح فـ «الصورة النمطية - Stereotype» بحسب تفسيرات أجمع عليها المختصون، (وأختار هنا أبسطها)، هي الحكم الصادر على فئة معينة أو جماعة ما، استناداً لأفكار مسبقة تعتمد على التعميم والتجريد ولا تراعي الفروقات الشخصية للأفراد أو الجماعات، وتمنع هذه «الصورة النمطية»، القائمة على الجهل بالآخرين، من النجاح في مجالات معينة، بل وتصل أحياناً إلى درجة من القسوة التي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية وصلاحياتهم الحياتية. وعادة ما تكون الأحكام الصادرة عن الصور النمطية موجهة لإقصاء عرق أو ديانة أو معتقد أو كما يتردد الحديث في أكثر من مناسبة... تجاه الجنس.
ومع بقاء هذا الإشكال واستمراره تزداد الحاجة لتفكيك الصور النمطية المتكونة عن المرأة وأدوارها المتعددة، آخذين في الاعتبار، أن عملية «التنميط» هي عملية ذهنية يتداخل فيها الوعي مع اللاوعي، وتستند إلى انطباعات متوارثة، وتقاس بنسبية معقدة، لتبتعد مع الوقت عن توصيف الواقع وتشخيصه بشكل علمي وموضوعي، ليصل بنا الحال، من حيث لا نعلم، إلى واقع جديد مغاير للصورة الحقيقية... واقع نبقى حبيسي كهوفه ودهاليزه... لا نسمع فيه ولا نرى.
وبطبيعة الحال والتجربة، يحدد كل مجتمع فهرسته للصور النمطية بناءً على تكوينه الفكري والثقافي والاجتماعي، وتحركه، بشكل متفاوت ومتأرجح ومتبدل، منظومة متكاملة لها أدواتها ووسائلها؛ كالخطاب الديني والإعلامي، والمناهج التعليمية، والتربية الأسرية، والمراكز البحثية والفكرية... بل وحتى الأعمال الفنية والدرامية.
ويبدو أنه مهما بذلت قوى التغيير الفاعلة من جهود للتخفيف من مظاهر التصور النمطي «الجامد» تجاه المرأة والمعاكس لتيارات التطور، يبقى الإشكال قائماً... والنقاش حوله عقيماً. ولنا حول هذا الأمر بعض التساؤلات التي نوجزها في التالي، بحثاً عن إجاباتها في عمق قناعاتنا بترسباتها المختلفة، لنجدد منظور رؤيتنا للقولبة والتنميط بكل اتجاهاته وعلى كافة مستوياته:
1) هل لدينا تصنيف واضح لماهية الصورة النمطية وأشكالها التي تخص المرأة بشكل عام، وتصور مكمل بحيث لا تطغى صورتها (الذهنية) على (الواقعية)؟ وهل تتسبب مظاهر التنميط في خلق صورة دونية للمرأة، فيتم تصويرها مثلاً: بالمرأة الضعيفة، والمبذرة، ومتقلبة المزاج، والعاطفية... إلخ؟
2) وهل من الممكن أن يُسبب «التصور النمطي» بتركيبته الذهنية تجاه مكوّن المرأة ومكانتها في المجتمع، حالة من التفاعلات المضادة ومن التنميط المعاكس، مولداً، بالتالي، ردود فعل ومواقف سلبية من طرف تجاه الآخر؟ كأن نَصِم المجتمع بالتعنيف أو الهيمنة على المرأة بسبب السيطرة الذكورية!
3) وهل تؤدي تبعات «التنميط» المؤدلج تجاه المرأة لدرجة من الخطورة التي من الممكن اعتبارها انتهاكاً وانتقاصاً للكرامة المؤدي إلى حرمانها من حقها في الحياة وحرية الاختيار... كإنسان كامل الأهلية؟
4) وهل نستطيع قول إن المجتمع قد وقف ساكناً أمام محاولات التنميط والقولبة المعاكسة، ولم يسع ضمن حركته تجاه التطوير والتجديد لإيجاد «تصور نمطي» أكثر إيجابية أو حداثية لتقريب «صورة» المرأة من «واقعها»، فتتحول نجاحاتها، أي المرأة، لأحد أهم المكاسب المعنوية التي تبحث عنها المجتمعات - في العادة - للمزيد من الانتصارات والإنجازات ضمن رحلة البناء المنطلقة للأمام؟
5) وهل سنظل نتعامل مع صورة «الأم» في المطبخ، و«الأب» في العمل ضمن الكتب المدرسية بأنها مفهوم مغلوط في سياق المشهد الأكبر والرؤية الأوسع التي تعمل تحت نطاقها الجهود الوطنية - رسمية أو مدنية - وسبب مربك لوعي النشء تجاه أدوارهم المستقبلية - كنساء ورجال - وعامل رئيسي في ترسيخ الصورة النمطية «الظالمة» للمرأة؟ وهل غفلت أو تجاهلت المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والمؤسسات الناشطة في المجال عن تقديم وترسيخ صورة رديفة «للأم في المطبخ» وهي تقوم بدور آخر، ولن أقول أهم، على جبهات العمل الوطني التي انطلقت عملياتها قبل أكثر من نصف قرن؟
6) وأخيراً، هل هناك ما يعيب أن تقرر المرأة بأن تكون ربة لمنزلها وعاملة منتجة فيه... وهي مهمة أساسية توجب على الرجل أن يكون داعماً ومسانداً لها لتواصل في أداء أدوارها المتعددة... باتزان وإتقان؟
في ضوء كل ما تقدم من تساؤلات يطول البحث عن إجاباتها، نجد أن ما تحول إلى «تنميط» هو في الواقع فهمنا ورؤيتنا لصورة المرأة، الذي أصبح بدوره بحاجة إلى إعادة نظر، وإعادة تقييم، وإعادة مصارحة للفصل بين ما هو «نمطي» بتأثيراته السلبية والمربكة، وبين ما قد يكون مجرد «ملمح سلبي» عابر يخص مشاركة المرأة ومن الممكن تجاوزه إن أحسنا قراءته في سياقه الأشمل، ومن دون أن نقع في مطب التنقيص من أنماط الحياة التقليدية التي سيظل بعضنا متمسكاً بها، جنباً إلى جنب، مع أنماط الحياة واسعة الأفق التي لا تتعامل مع النساء «بعدسة واحدة» والعكس صحيح بالنسبة لمعشر الرجال.
فالحكمة تقتضي، في زمننا هذا، بأن نتجنب التعامل مع أدوار المرأة الموكلة لها، تقليدياً، بأنها سبب لتراجعها وانعزالها والتقليل من شأنها طالما كان قراراً تملكه الأسرة وحدها، بشرط ألا يكون مقابل ذلك أي مانع أو قوة جبرية أو المزيد من التصورات الذهنية التي قد تعوق تقدمها ميدانياً لتزاول دورها في كافة مواقع العمل والإنتاج، وتحت رعاية الدولة التي ضمنت لها ولأسرتها حق التوفيق بين الجانبين... وكي لا تتحول صورة «الأم في المطبخ» إلى كابوس يقض مضاجعنا ونحذر منه كنذير شؤم يؤذن بتراجع المرأة وإذلالها.

- الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة بمملكة البحرين