نجيب صعب
الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»
TT

تنافس على حماية البيئة أم للسيطرة على الموارد؟

حين طالب المبعوث المناخي الأميركي جون كيري، بتحويل عِلم التغير المناخي إلى سياسات وقوانين، أصاب جزءاً من الحقيقة. فوضعُ السياسات العامة ليس بهذه البساطة، إذ يتطلب تسويات تُوازِن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وإذا كانت الحقائق العلمية تشير إلى ضرورة وقف الانبعاثات الكربونية فوراً لمجابهة آثار تغير المناخ، فقد لا يكون تحقيق هذا ممكناً، لأنه يضرب الاقتصاد ويعرقل حياة البشر، ويتسبب بحالات فقر وجوع وموت لا تقل عن أخطار تغير المناخ نفسها. المطلوب، إذن، توفير الظروف المناسبة وإيجاد البدائل القابلة للتنفيذ. البدائل موجودة في معظم الحالات، لكن تحقيقها يتطلب الإرادة السياسية والتمويل الملائم.
الترابط الكبير بين القرارات البيئية والمناخية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ظهر جلياً، في الأيام الأخيرة، في قمة «مجموعة السبع»، كما في الاستفتاء الشعبي الذي حصل في سويسرا. ففي حين حاول القادة السبعة المجتمعون بضيافة بريطانيا عبور خيط رفيع بين الالتزامات المناخية والاقتصاد، رفض الناخبون السويسريون مقترحات حكومية لخفض سريع في الانبعاثات الكربونية، بحجة أنها تضرب الاقتصاد. وكانت مضاعفات جائحة «كورونا» العامل الرئيسي في الحالتين.
رَفَض 51 في المائة من الناخبين في سويسرا اقتراحاً حكومياً بوضع ضريبة إضافية على وقود السيارات وبطاقات الطيران، وذلك مساهمة في إنقاص الاستهلاك وتعزيز الكفاءة، لتحقيق هدف تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى النصف سنة 2030 مقارنة بما كانت عليه في 1990. ففي حين حصل الاقتراح على تأييد بلغ 49 في المائة، رُفض بفارق ضئيل من فئة تخوفت من آثاره على الاقتصاد، خصوصاً في فترة التعافي من «كورونا».
اللافت أن الناخبين السويسريين رفضوا بأكثرية كبيرة في استفتاء آخر اقتراحاً حكومياً يمنع استخدام المبيدات الصناعية، وحصر المساعدات والدعم بالمزارعين الذين يتوقفون عن استخدام المواد الكيميائية. فقد رأى المزارعون أن هذه التدابير كفيلة بدفعهم إلى فقدان القدرة على المنافسة، وصولاً إلى الإفلاس، علماً بأن بعض المبيدات والأسمدة تلوث المياه وتُضر بالحياة النباتية والحيوانية والبشرية. وليس أمام الحكومة السويسرية اليوم إلا البحث مجدداً عن حلول بديلة، تحافظ على البيئة وتحمي الاقتصاد والبشر في الوقت نفسه.
بالتزامن مع إعلان نتائج الاستفتاء الشعبي السويسري، أصدرت «مجموعة السبع» مقرراتها. وقد برز فيها بند خاص بالبيئة والمناخ، التزم بموجبه القادة إطلاق «ثورة خضراء»، وخفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف قبل 2030 وصولاً إلى الصفر قبل 2050، ومعالجة المشاكل البيئية لمساحة 30 في المائة من الأراضي والمحيطات وحمايتها بحلول سنة 2030. كما جددت القمة الالتزام بإبقاء الارتفاع في معدل حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأقصى الذي حددته قمة باريس المناخية. وتعهدت القمة بوقف كل محطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري داخل بلدانها، ما لم تكن تعتمد على تقنيات لجمع الكربون ومعالجته على نحو مأمون، بدل تسربه إلى الأجواء. كما وعدت، في المقابل، بمساعدة الدول النامية على التخلص من محطات الفحم الملوثة واعتماد تقنيات أخرى نظيفة لإنتاج الطاقة، بالتوازي مع وقف كل تمويل لمحطات ملوثة جديدة. لكن الصين تستمر ببناء مئات محطات الفحم الحجري في الدول النامية، مما يستدعي تعاوناً دولياً للوصول إلى حل.
إلا أن كل هذه التعهدات كانت أقل مما انتظره ناشطو البيئة وكثير من الخبراء والمجتمع العلمي، خصوصاً في مجال التمويل. ففي حين جدد القادة تعهدهم المساهمة بتوفير 100 مليون دولار سنوياً حتى سنة 2025، من القطاعين العام والخاص، لمساعدة الدول الفقيرة على خفض الانبعاثات الكربونية، عن طريق تعزيز الكفاءة وتوسيع استخدامات الطاقة النظيفة والمتجددة، لم يعالجوا سد فجوة التقصير في هذه الالتزامات، منذ تم الإعلان عنها عام 2009، لكن الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا حاولت التعويض عن هذا التقصير الجماعي، بوعدها تخصيص مئات الملايين من المساعدات الثنائية لدعم أكثر المجتمعات تأثراً بتغير المناخ. في المقابل، طالب اللورد نيكولاس ستيرن، الاقتصادي البريطاني المعروف في دراسة انعكاسات التغير المناخي، بمضاعفة الدعم الحكومي لتمويل العمل المناخي في الدول النامية. كما أكد الجدوى الاقتصادية من استثمار قسم كبير من آلاف مليارات الدولارات المخصصة للتعافي الاقتصادي من جائحة «كورونا» في مشاريع تعزز التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتعتمد مبادئه.
التنافس الاقتصادي كان بنداً أساسياً في «قمة السبع»، وإنْ تحت عناوين بيئية واجتماعية. ففي مواجهة واضحة مع مشاريع «طريق الحرير» الصينية، أنشأت القمة «صندوق البُنى التحتية العالمي» لدعم شبكة المواصلات في الدول الفقيرة ومساعدتها في التحول إلى النمو الأخضر والطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.
فهل يمكن تحويل التنافس الغربي - الصيني لمصلحة البيئة والمناخ والتنمية المستدامة؟ أم تراه يؤدي إلى «حرب باردة» جديدة للسيطرة على الموارد الطبيعية، يكون الفقراء أول ضحاياها؟
* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)
ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»