سام فازيلي
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

الوباء والسرطان

حازت حملة إطلاق وتوزيع لقاحات فيروس «كورونا المستجد» على زخم كبير ومتصل في أماكن كبيرة من مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي رفع من مستويات التفاؤل وزيادة الأمل - رغم البقع الساخنة والمضطربة للغاية مثل الهند ومواضع أخرى متضررة بشدة من العالم - في أنه قد صار بأيدينا بعض الأدوات التي نستطيع بها ترويض الفيروس والوباء الناجم عنه. لكن، حتى في أماكن من شاكلة الولايات المتحدة، حيث ساعدت حملات التطعيم الجماعية في الإقلال من معدلات الإصابة والعدوى، وكذلك من معدلات الدخول إلى المستشفيات، وحالات الوفيات، فإنه لا تزال هناك مجموعات كبيرة من السكان تقول إنها غير عازمة على الحصول على جرعة اللقاح على الإطلاق.
إن مشكلة اختيار عدم الحصول على اللقاح تتجاوز بكثير مستوى الحماية الشخصية، بل إنها تتعلق أيضاً بالعمل على حماية المجتمعات التي نعيش فيها، ومن ثم، لا يتعين علينا أن نمر على الآثار الثانوية للجائحة الراهنة مرور الكرام، وإنما هي آثار شديدة الخطورة، ومرة أخرى، بصرف النظر تماماً عن الإزعاج البالغ الذي تسببه قرارات الإغلاق الحكومية الصارمة. إنما أتحدث على وجه التحديد عن الخسائر التي قد ألمت بالأشخاص الذين تأخروا في زيارة عيادات الأطباء عن الوقت المناسب، وأهملوا إجراء الفحوصات اللازمة، أو تناول العلاجات الضرورية، وربما قد فاتهم أيضاً التشخيص المبكر لأمراض شديدة أخرى من شاكلة السرطان الجديد، أو المتكرر، الأمر الذي تسمح الظروف المحيطة بتفاقم المشكلة من دون أن نُلقي لها بالاً.
كانت الأدلة على ذلك الأمر واضحة للغاية خلال الجولة الأخيرة من بيانات الأرباح لدى بعض من أكبر شركات صناعة الأدوية والعقاقير حول العالم، وبين أيدينا سوق أمثلة معدودة وقليلة:
شركة «غلاكسو سميث كلاين»: خلصت شركة صناعة الأدوية البريطانية المذكورة أنه اعتباراً من فصل الصيف الماضي (أي الربع الفصلي الثالث)، قد سجلت تراجعاً ملحوظاً في العمليات الجراحية المعنية باستئصال الأورام - وهي التدخلات الجراحية المقصود منها الإقلال من حجم تكتلات الأورام لدى مرضى سرطان المبيض - بنسبة بلغت 20 في المائة، الأمر الذي كان له أبلغ التأثير على المرضى الذين يشرعون في الخضوع للعلاج الكيميائي، وذلك وفقاً للسيد لوك ميلز، وهو رئيس شركة «غلاكسو سميث كلاين» العالمية. وهذا بدوره، كان له تأثير غير مباشر في الحد من استخدام عقار «زيجولا»، من إنتاج الشركة، الذي يُستخدم لدى المرضى بعد خضوعهم للعمليات الجراحية وجلسات العلاج الكيميائي، مع فائدة كبيرة من البقاء على قيد الحياة لدى المرضى الذين يتناولون هذا العقار.
شركة «ميرك وشركاه»: يقول فرانك كليبورن، نائب الرئيس التنفيذي لشؤون صحة الإنسان في الشركة، «في علم الأورام، ومنذ الأيام الأولى لانتشار فيروس كورونا، كان هناك انخفاض ملحوظ، وربما مؤسف، في مستوى فحوصات مرض السرطان، الأمر الذي أسفر عن انخفاض كبير في عدد تشخيصات المرضى، مع الإقلال من بدء المرضى الجدد في الفحوصات وتلقي العلاج، لا سيما فيما يتصل بسرطان الرئة». ولقد أثر ذلك الأمر على استخدام عقار «كيترود».
شركة «آبفي إنك»: أشارت شركة «آبفي» العملاقة لصناعة الأدوية إلى «الانخفاض الكبير في بدء تلقي المرضى الجدد للعلاج» في مواجهة مرض سرطان الدم الليمفاوي المزمن، مع بقاء الأسواق في ذلك أدنى من مستويات ما قبل انتشار وباء «كورونا المستجد» على هذا الصعيد. يعد مرض سرطان الدم الليمفاوي المزمن من أنواع مرض سرطان الدم البطيئة وطويلة الأمد مع معدلات استجابة مرتفعة لبعض العقاقير المنتجة لدى الشركة، وعقار «إيمبروفيكا» من إنتاج شركة «جونسون آند جونسون»، وعقار «كالكوينس» من إنتاج شركة «أسترا زينيكا».
علاوة على ما تقدم، خلصت دراسة أشرف عليها مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة رفقة جامعة كارديف إلى أن نسبة 45 في المائة من المرضى الذين يعانون من أعراض الإصابة المحتملة بمرض السرطان لم يطلبوا المشورة الطبية الضرورية منذ شهر مارس (آذار) وحتى أغسطس (آب) من عام 2020 الماضي. وذلك جنباً إلى جنب مع تعطيل فحوصات السرطان الاعتيادية الروتينية التي نشأت عن انتشار فيروس كورونا المستجد، ثم التأخير في التشخيص والعلاج على نحو ما أفادت به كبريات شركات صناعة الأدوية حول العالم.
أما من حيث الأنباء السارة، بالنسبة لشركات صناعة الأدوية وبالنسبة إلى الصحة العامة كذلك، فهي أن شركات الأدوية قد أعلنت أنها تتوقع أن تعود معدلات التشخيص والعلاج لأمراض السرطان إلى مستويات ما قبل شيوع وانتشار فيروس كورونا المستجد، حيث ساعدت جرعات اللقاح الموزعة على الإقلال من المخاطر الصحية المحدقة، الأمر الذي يسمح بالعودة مرة أخرى إلى ممارسة المزيد من الإجراءات الاعتيادية الطبيعية مثل إجراء الفحوصات الطبية الضرورية.
وإيجازاً للقول: من أجل محبة أسرتك وأصدقاء ورفاقك المعرضين لمخاطر الإصابة بالسرطان وغير ذلك من الأمراض الخطيرة الأخرى، إن لم يكن من أجل توفير الحماية الذاتية لنفسك أولاً، لا بد من الذهاب والحصول على جرعة اللقاح لنفسك ولأسرتك في أسرع وقت ممكن. وهذا هو أفضل الأسلحة التي بين أيدينا راهناً في مواجهة الوباء الفتاك وعدد كبير من الآثار الثانوية الناجمة عنه.