كاثلين باركر
كاتبة أميركية
TT

الرد على فظائع «داعش»

ثارت آلاف المشاعر، إثر طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما التفويض لاستخدام القوة العسكرية، والشعور بالغثيان من أن نستمر في حرب لا نهاية لها.
على الرغم من أننا لم نتعرض لضربة كارثية على نحو ما شاهدنا في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإننا كنا شهودا على كثير من الفظائع - الفواتير الشريرة على الديون المزمع جمعها - المصممة خصيصا لاستفزاز استجابة عاطفية من جانب الحلفاء ومن جانبنا. ليس من المهم في هذا المقام مَن الذي بدأ ذلك، أو التصرفات السابقة التي أسهمت في توليد الظروف الراهنة. إننا في مواجهة موجات إرهاب جديدة تستلزم الإجراءات الحالية.
هل تستلزم ذلك حقا؟
كما هو مقترح، فإن من شأن التفويض الجديد السماح للقائد الأعلى للقوات المسلحة (الرئيس أوباما) باستخدام القوة العسكرية ضد تنظيم داعش، من دون قيود جغرافية، ولكن لمدة ثلاث سنوات فقط، وليس لأجل «العمليات البرية القتالية الهجومية المستمرة».
وترجمة ذلك: سوف نتحرك ضد تنظيم داعش، ولكننا سوف نختفي قبل أن يشعروا أصلا بوجودنا.
حدد كل من الديمقراطيين والجمهوريين الجوانب التي لا يوافقون عليها من التفويض، ولكن على أدنى تقدير فقد صاروا يتحدثون مع بعضهم بعضا. وعلى هذا النحو، فلدى الأميركيين مبرراتهم عندما يتساءلون ما إذا كان ذلك الحشد (أو غيره) على قدر المسؤولية، وهل تعلمنا فعلا أي درس من الحروب السابقة. فكما علمتنا أفغانستان، لا معنى قط لأن نخبر العدو بجداولنا الزمنية. فما تصنع فترة الثلاث سنوات في ضغائن ممتدة منذ قرون؟
وحتى هذه النقطة، أعلنت جماعة إرهابية ليبية عن هدفها لتدمير روما. يبدو ذلك من قبيل تهديدات العصور الوسطى، ولكن يبدو أن الرجال المتشحين بالسواد لم تدركهم المذكرة حول توقيت {الزحف المقدس}. إننا هنا نحتفل بالذكرى السنوية الأربعين لبرنامج «مساء السبت على الهواء»، في حين أنهم يقطعون رؤوس الناس الأبرياء.
على أقل تقدير، يمنحنا إعلانهم ذلك قدرا من الحرية للاعتراف أمام أنفسنا بأننا، في واقع الأمر، منخرطون في حرب دينية بناء على طلب من المتعصبين الذين ينحصر سفكهم لدماء الأبرياء في مواعظهم الإرشادية. وتكمن هنا نقطة حاسمة في معرض نقاشنا للأمر: لكي نهزم عدوا يتشبث بالألفية الأولى قبل الميلاد، قد يكون من الضروري التجمع حول شمعة وحيدة ومحاولة التفكير بعقلية القرون الوسطى.
إننا نتساءل، على سبيل المثال، عن عمليات الإعدام الطقوسية للأبرياء، ونتعجب، في الوقت ذاته، من التطور التقني لنشر «داعش» لمقاطع الفيديو التي تصور الوحشية. وبرغم ذلك، فإن إلقاء نظرة على التاريخ تؤكد لنا أن تلك المشاهد المروعة ليست إلا إصدارات محدثة لطقوس الانتقام. إن أساليب العقاب في القرون الوسطى، ومن بينها قطع الرؤوس، والحرق والصلب، كانت من الطقوس ذات الشعبية، نظرا لتأثيرها الرهيب على النفوس ولدلالتها الدينية من حيث التطهير وتكفير الذنوب.
إن الإسلاميين المتطرفين يعرفون نفسية جمهورهم بحق. فلا ضرورة لكراهية من يقتلونهم، ولا داعي أصلا لإخضاعهم للعقاب. بدلا من ذلك، فإنهم يستخدمون تلك الأضاحي البشرية كطعم - لنا نحن. عندما غزا الرئيس جورج دبليو بوش أفغانستان والعراق قال إنه ينقل الحرب إلى الإرهابيين أنفسهم. وفي مثل تلك الحالة، قد يكون تنظيم داعش هو من يستدرجنا إلى ساحات القتال.
إن إيمانهم باستجابتنا البديهية له ما يبرره بكل تأكيد.
لقاء كل فعل من أفعالهم، خرج العالم برد فعل تنبؤي. قبل 6 أشهر، بدأنا الأعمال العسكرية ردا على قطع تنظيم داعش لرأس الصحافي جيمس فولي. وبعد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، شن الأردن الغارات الجوية ضد أهداف لتنظيم داعش في سوريا. وردا على مقتل 21 أسيرا منهك عشرون من المواطنين المصريين، قصفت القوات الجوية المصرية أهدافا لـ«داعش» في ليبيا.
ليست تلك الاستجابات ذات أهمية بالنسبة إليهم إذا ما تحدثنا عن مخاوف من عدم وجود استراتيجية من جانبنا، في الوقت الذي يعزز فيه تنظيم داعش من جهود التجنيد والدعاية.
تحدث أوباما عن تلك المخاوف في خطاب حالة الاتحاد، الشهر الماضي، حين قال: «يجب علينا خوض المعارك التي لا مفر من خوضها، وليست تلك التي يفضلها الإرهابيون، من انتشار القوات على نطاق واسع، مما يستنزف قوتنا، ويمكنها في نهاية المطاف من أن تغذي التطرف ذاته».
كما تعهد بأنه لن يرسل القوات على طريق الأذى «ما لم يكن ذلك ضروريا بحق»، أو إلحاقهم بحرب مفتوحة لا نهاية لها. ولكن مجددا، تخلق الحروب ضرورات حتمية جديدة من شأنها أن تجعل من الجداول الزمنية أمرا لا طائل من ورائه.
في ذات الأثناء، لنبارك قلوبنا التي تناقش المعاملات الحربية - هل السنوات الثلاث فعلا كافية، أو قليلة، أو مرجحة على الأغلب، أو غير قابلة للتطبيق؟ يمكننا أن نلعب الشطرنج كذلك مع الدببة القطبية. فقد قال أوباما نفسه إن تلك الحرب سوف تتجاوز فترة ولايته، وبالتالي، فهي إشارة إلى الجحيم الذي ينتظر خليفته.
على نحو حذر، فإننا في انتظار الفظائع المقبلة ومداولات الكونغرس الأميركي، التي تتمتع بالقليل للغاية من ثقتنا، فسوف يحتاج المشرعون مع رئيسنا إلى ما هو أكثر من النية الحسنة أو القيم الأميركية الطيبة. إنهم في حاجة إلى حكمة العصور السالفة، وتحالف العالم المتحضر.
* خدمة {واشنطن بوست}