فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

حديث الأمير... الرؤية هزمت التحديات

الثقة التي أولاها السعوديون لأميرهم ولي العهد محمد بن سلمان لا يمكن أن تتوفر إلا لقلة من الزعماء عبر التاريخ ممن آمن بهم الناس وفوضوهم أمرهم في حاضرهم ومستقبلهم. القوة الأساسية لأي مشروع تكمن في فكرته، لذلك يرى الشباب العربي في الأمير محمد بن سلمان قائداً يندر مثيله في التاريخ. ثمة شخصيات تأتي على رأس كل قرن وأكثر تهيئ للناس مصالحهم وتعيد ترتيب دنياهم وتسد الثلم وتضع القطار على السكة، وتخرجهم من الأنفاق إلى الآفاق، وهذه مهمة تتطلب خططاً وبرامج ومشاريع، والرؤية الطموحة «2030» تمر مناسبتها الخامسة هذه الأيام وعلى أساس شرح ما أنجز وما يطمح إليه ظهر ولي العهد السعودي في الحوار المتلفز، وكان الحوار بحد ذاته أكبر دليل على التطور السريع في المملكة، وعلى تطور لولا قوة الأمير وحسمه وإدارته لم يتم إلا بعقودٍ من السنين.
لم تتحول فقط سياسة السعودية تجاه النفط مع خطط الرؤية، بل إن النفط سيواجه تحديات كبيرة خلال النصف قرن القادم كما يتحدث الأمير، والدخل الذي كان يحققه النفط للسعودية في زمنٍ مضى لا يمكنه أن يغطي كل الاحتياجات، لأن عدد السكان قد تضاعف من ثلاثة ملايين إلى عشرين مليون سعودي، والأمير يعتبر أن من الخطورة البقاء على الاعتماد على النفط من دون فتح بدائل مهمة ومن ضمنها التعدين والسياحة واللوجيستيك وسواها من الفرص الثمينة المتاحة في السعودية الغنية بثرواتها. والأمير يؤكد أن التخفيف من الاعتماد على النفط لا يعني الاستغناء عنه كما يعتقد البعض، بل الهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستثمار في جميع الموارد.
«من دون مركز دولة قوي، يضع السياسات، والاستراتيجيات، ويوائمها بين الجهات، ويعطي لكل وزارة الدور المطلوب منها لتنفيذه لن يتحقق شيء»، هذه هي فكرة الأمير حول مركز الدولة. في السابق لم تكن هناك قدرة على وضع مركز قوي للتنفيذ في الدولة، وآية ذلك مثال الإسكان، حيث رصد 250 مليار ريال للمشروع لكن لم تؤخذ بالاعتبار وعورة التنفيذ بسبب تشتت سياسات الدولة بين مجموع الوزارات. ما حققته الرؤية كسر ذلك التخبط ووضع سياسة لمركز الدولة، وهو ما سيتحقق بإنشاء مكتب سياسات الدولة.
«قبل عام 2015 كان الوضع مقلقاً للغاية؛ معظم الوزراء غير أكفاء، لا أعينهم حتى في أصغر شركة في صندوق الاستثمارات العامة» يقول الأمير، هذا فضلاً عن وجود ترهل في الصف الثاني، إذ التركيز على العمل الروتيني من دون التفرغ للتخطيط الاستراتيجي. ما حققته الرؤية أنها تجاوزت ذلك الخلل وذلك برافدين هما: «بناء الفريق، وبناء المكينة» التي تساعد على الإنجاز.
وبما أن الرؤية تركز على الإنجاز ضمن وقت مجدول ومحدد، فإن الأمير يختار فريقه ضمن شروط على رأسها الشغف، إذ حين يشعر المسؤول إذا كلف بأن هذه القضية هي قضيته ويتفانى من أجلها، فهذا ما يحقق الاندفاع للمسؤول نحو تحقيق أهداف الرؤية ضمن العمل الملقى على عاتقه.
الصراع مع الوقت مستمر، لذلك يؤكد الأمير في حواره أن لا شيء اسمه «أسرع من اللازم».. ما يمكن تحقيقه في وقت أقصر فليكن. الرؤية حققت الكثير من الأهداف بوقت مبكر، ثمة تحديات طرأت من بينها ظروف الجائحة ومع ذلك استمرت الرؤية في كسر الأرقام وتحقيق أشواط رائعة من أجل الوصول للهدف المحدد.
ثم إن التعليم بقي لفترة طويلة أسير التلقين، يحلل الأمير سبب ذلك بأن المعلومات لم تعد هي الأساس الذي يقدم للطالب، لا بد من اتباع استراتيجية في التعليم تقوم على تنمية المهارات بدلاً من حشو المعلومات. الهدف من التعليم لن يكون التلقين وكثافة المعلومات، وإنما تعزيز المَلَكات وقدرات الفهم وتقوية المهارات.
من أهم مستهدفات الرؤية تحقيق الاعتدال الفكري والاجتماعي في المجتمع السعودي، تحدث الأمير عن مفهوم الاعتدال باعتباره الرسوخ في الأحكام الثابتة بالقرآن والسُنة، ولكن مع الحذر من التطبيق الآيديولوجي لأحكام ليست قطعية، وفرق الأمير بين الأحاديث الثابتة المتواترة، وبين غيرها من درجات سند الحديث الأخرى في سلسلة الرواية، لذلك فإن السعودية تجهد حثيثة نحو الانفتاح المفيد، والانطلاق المستنير، والحيوية الدينية المستمدة من قواعد الشريعة ومبادئها الثابتة من دون الصدور عن فتاوى الشر والإرهاب والقتل. ثم إن المدرسة الأساسية والوحيدة للسعودية كما يقول الأمير هي الامتثال لأوامر الله ورسوله، أما المدارس فهي بشرية ومتغيرة وبقيت ضمن ظرفها التاريخي.
بعد سنواتٍ من تمييز كل دول المنطقة تقريباً بين المتطرف والإرهابي، تمييز مكّن المتطرفين من نشر أفكارهم الدموية من دون رقيبٍ ولا حسيب، تحدث الأمير الملهم لشعبه بأن «التطرف جريمة» يعاقب عليها القانون، حتى وإن لم يكن هذا المتطرف قد مارس الإرهاب. إنها رسالة قوية وحاسمة وصارمة من السعودية التي تريد تحقيق تنميتها ضمن فضاءٍ معتدل.
قالها الأمير، الهوية السعودية باقية، وحدهم أصحاب الهوية الهشة من يخاف من الانفتاح والاطلاع على تعدد الأمم والعوالم. إن حديث الأمير محمد بن سلمان رسالة ملهمة ليست للسعوديين فقط، وإنما لكل الطموحين في المنطقة والعالم.