حصل أكثر من 910 ملايين إنسان في العالم على جرعات لقاح «كوفيد - 19» والعدد في ازدياد يومياً. ورغم ذلك، فإن الغالبية العظمى ممن تم تصويرهم واستهدافهم بالحملات يشتركون في شيء واحد هو أنهم بالغون. كان هذا هو المكان المناسب لبدء أكبر حملة تطعيم في العالم لكنه ليس المكان الذي يجب أن نتوقف فيه.
صحيح أن الأطفال أثبتوا أنهم أقل عرضة للإصابة بفيروس «كورونا» حتى الآن، وهي من تجليات رحمة الله بتلك الفئة صغيرة السن، حتى وإن كان نقص التقارير يلعب دوراً في هذا الصدد. لكن لم يفلت الجميع من الإصابة بأذى، إذ نعلم أن صغار السن من المصابين قد نقلوا المرض عن غير قصد إلى الآخرين. فكما هو الحال مع حالات الإصابة بأمراض مثل الحصبة والحصبة الألمانية، فإن تطعيمات «كوفيد - 19» للأطفال تدور حول حمايتهم - وحماية أي شخص آخر من حولهم. وحتى لو لم يكن الأطفال ناقلين «فاعلين» للمرض وكانوا مجرد ناقلين، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية نوعاً ما تظل سراباً من دونهم.
لسوء الحظ، يعتبر هذا مجرد ركن من أركان حملة التلقيح العالمية، حيث ستظهر مشكلات مثل إيصال اللقاح إلى الجميع وتردد الناس في استخدامه. فالتجارب التي تشمل الأطفال لا تزال في بدايتها وهي بطيئة نظراً لمخاوف تتعلق بالسلامة، مما يعني أن الباحثين يعملون على تقليل الفئات العمرية، ويقللون معدلات الإصابة.
سنحتاج إلى الانتظار لمعرفة التطعيمات الأكثر أماناً والأفضل في منع انتقال العدوى، والخبر السار هو أن الفجوة قبل بدء التشغيل توفر بضعة أشهر حيوية لمعالجة التصور الخاطئ بأن هذه الجرعات ذات نتائج أقل.
شكل الأطفال حوالي 8 في المائة من جميع حالات «كوفيد - 19» العام الماضي، وفقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية، رغم أنهم يمثلون 29 في المائة من سكان العالم. وقد انتهى الأمر بعدد أقل في العناية المركزة ونجا غالبيتهم من الحمى، والتعب، والسعال. كان أقل من 0.2 في المائة من وفيات «كوفيد - 19» من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً، وفقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية منذ سبتمبر (أيلول).
وبشكل كبير، يمكن أن يتغير هذا خلال الفترات التي يكون فيها المرض متوحشاً. فمن المثير للقلق ملاحظة أن الموجة الحالية المدمرة في البرازيل تقتل الشباب. والنساء الحوامل والأطفال دون سن العاشرة يمرضون، وبعضهم لديهم أعراض مختلفة، وبالتالي يتم تشخيصهم بشكل خاطئ. وتشير كيرستي شورت، عالمة الفيروسات بجامعة كوينزلاند، إلى أن هناك الكثير لا نعرفه بشأن العوامل الأخرى التي تلعب دوراً، بما في ذلك السلوكيات الاجتماعية أو كيف يستجيب الأطفال، على وجه الخصوص، للمتغيرات. ولكنْ هناك أسباب وجيهة للقلق، لأسباب منها متلازمة الالتهاب المتعددة الأجهزة النادرة وأنها قد تكون مميتة، والتي تشترك في أعراض الصدمة السامة ومرض «كاواساكي»، مثل الطفح الجلدي والقيء، وتظهر بعد أسابيع قليلة من الإصابة. كما أننا لا نعرف الكثير عن العواقب الطويلة المدى لـ«كوفيد - 19».
تعد الوفيات التي يمكن تجنبها والآثار اللاحقة المحتملة سبباً كافياً لضمان وصول الجرعات إلى أطفال العالم، ولكن هناك المزيد. على سبيل المثال، تشير شخصيات مثل أنتوني فوسي، المستشار الطبي للرئيس جو بايدن، إلى أنه سيكون من الصعب الوصول إلى مستويات مناعة القطيع - التي يقدر أنها تتطلب 70 في المائة إلى 85 في المائة من الناس للتطعيم أو المناعة - من دون الأطفال، الذين يشكلون حوالي ربع سكان الولايات المتحدة.
ورغم استمرار القيود، يعاني الشباب أكثر من غيرهم، ويتحملون عبء تقليص التعليم واللعب والرياضة مع تراجع التقدم في الصحة والتغذية، وقد لا يعود الكثير ممن عانوا من مثل هذه الاضطرابات إلى الفصول الدراسية أبداً.
نحن الآن نقترب من النقطة التي ستتوفر فيها لقاحات الأطفال، فقد بدأت شركة «موديرنا»، على سبيل المثال، في تجارب سريرية لأطفال فوق سن الـ 12 عاماً في ديسمبر (كانون الأول)، وقالت الشهر الماضي إن الأطفال الأوائل خضعوا لجرعات في تجربة لقاح مع أطفال أصغر سناً. وتسعى شركة «فايزر إنك» وشريكتها «بيونتك إس آي» لأن يسمح المنظمون باستخدام لقاحهم مع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً، بعد أن وجدت دراسة أنه كان فعالاً بنسبة 100 في المائة في الوقاية من المرض أثناء تجربة المرحلة النهائية مع تلك الفئة العمرية. فنحن نعلم أن إسرائيل قامت بالفعل بتطعيم حوالي 600 مراهق من الفئات المعرضة للخطر بلقاح «بيونتيك» ولم نشهد أي آثار جانبية كبيرة.
تكمن المشكلة في أنه في حين أنَّ للتردد في تلقي اللقاحات أسباباً متنوعة وانتشاراً عالمياً، فإن الآباء بشكل عام لديهم شكوك أكبر. وقد كشف بحث لمؤسسة «بيو» في عام 2017 أن الأميركيين يدعمون بأغلبية ساحقة متطلبات لقاح الحصبة، والنكاف والحصبة الألمانية، لتلاميذ المدارس العامة، لكن آباء الأطفال الصغار رأوا فوائد أقل ومخاطر أعلى. هذا هو الحال مع «كوفيد - 19» أيضاً. ووجدت الأبحاث التي أجرتها الجامعات الأميركية الرائدة والتي نُشرت الشهر الماضي أنه عندما يتعلق الأمر بفيروس «كورونا»، فإن الأمهات الأصغر سناً يترددن بشكل خاص: ما يقرب من خُمسي الأعداد من غير المرجح أن يسعين للحصول على التطعيم لأطفالهن. بعض هؤلاء في العالم المتقدم، وهو الإرث الضار الذي طال أمده من المعلومات الخاطئة حول لقاحات مثل «إم إم آر». في دول العالم النامي، هناك أيضاً أولويات صحية أخرى، حتى عندما تكون الجرعات متاحة.
تتطلب المعالجة التي تستدعي جهداً عالمياً متضافراً يركز على التعليم والتوعية، التواصل بشأن المخاطر والمزايا، خاصة بعد حوادث تخثر الدم التي أوقفت أخذ بعض اللقاحات. كما سوف تساعد بيانات السلامة القوية عن التجارب، بالنظر إلى أن معظم الناس لديهم شكوك وعادة ما تكون معقولة، ولا يعارضون من فراغ.
إنها فرصة لبناء الثقة، لا سيما في المجتمعات وبين مجموعات الآباء التي كانت أكثر عرضة للإصابة بفيروس «كوفيد - 19» ولكنها أيضاً متشككة في التصريحات الرسمية.
قد يؤدي إقناع الأسر بحماية نفسها الآن إلى تحسين استعدادها للحصول على لقاحات أخرى للأطفال. وهذا في حد ذاته مكسب لأن برامج التحصين تعرضت لضربة كبيرة في كثير من أنحاء العالم بسبب الاضطرابات الأوسع التي حدثت العام الماضي.
البديل لتطعيم الأطفال هو ترك «كوفيد - 19» باقياً، كما حدث مع الحصبة، وهي المرض الشديد العدوى الذي جرى القضاء عليه رسمياً في الولايات المتحدة عام 2000.
لكن في عام 2019 تم الإبلاغ عن ما مجموعه 1282 حالة، وهو أكبر عدد خلال أكثر من ربع قرن، وذلك بسبب الأشخاص غير المطعمين، وهو احتمال غير مستساغ.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:7 دقيقه
TT
كيفية التعامل مع المترددين في أخذ اللقاحات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة