جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الأمير فيليب... سبعة عقود في ظل الملكة

تحتفل الملكة إليزابيث الثانية اليوم بعيد ميلادها الخامس والتسعين، تحتفل اليوم وحيدة وأرملة، وهي لا تزال تلملم دموعها على فقدان زوجها الأمير فيليب بعد زواج ناجح استمر على مدى 73 عاماً.
أكثر ما تطرقت إليه وسائل الإعلام خلال مراسم دفن الأمير فيليب منذ أيام وجميع البرامج التي بثت عن حياة الزوجين كانت تدور حول سر هذا الزواج الناجح في زمن يفتك به الطلاق بشكل كبير تقدر نسبته بواحد من أصل 3 زيجات تنتهي بأبغض الحلال. فما هو سر الملكة؟
بعد موت الأمير فيليب تعرفنا إليه أكثر، واستطاع بعد موته أن يجعل الناس تحبه أكثر وتغير نظرتها المغلوطة تجاهه، وأهم شيء عرفه الملأ هو فيليب الزوج. وقد يكون سبب نجاح زواجه من الملكة هو أنه كان يميز ما بين دوره كرجل ودوره كزوج الملكة. داخل جدران القصر كان يلعب دور الرجل الذي له كلمته ورأيه وشخصيته في حين كان الظل الذي يرافق زوجته الملكة وهي تؤدي مهامها الرسمية خارج القصر. لم يمتعض فيليب الزوج كونه الظل الذي يمشي خلف زوجته لأنه كان يدرك أن كلمته ونصائحه للملكة الزوجة كانت تقدر وتسمع ويؤخذ بها على جميع الاصعدة. كما أنه معروف بأن الأمير فيليب كان العقل المدبر وراء جميع قرارات الملكة لأنها كانت تثق برأيه وبحكمته.
الزواج مؤسسة صعبة ونجاحها يعتمد على الشريكين فيها، وقد يكون سبب فشل العلاقات لا سيما في منطقتنا العربية وهو عدم تنظيم الأدوار، المرأة في بلداننا لا تزال غير متأكدة من هويتها، فهي تلعب على وتر فكرة المساواة بينها وبين الرجل عندما يروق لها ذلك لتعود بعدها وتقرر بأنها كائن أضعف من الرجل وهي بحاجة لرعايته المعنوية والمادية. أما الرجل فهو أيضاً تختلط عليه الأمور في المؤسسة الزوجية، لأنه يعتقد أن الرجولة تعني التسلط والتخويف والترهيب وجعل المرأة جزءاً من أثاث البيت فيلغي كيانها وشخصيتها؛ ظناً منه أنه هو الرجل وهو يقوم بدوره المحتم عليه. والسبب الأهم في فشل الزواج هو غيرة الزوج من زوجته وليس غيرته عليها، وهذا ما تنبه إليه الأمير فيليب الذي كان يرتدي السروال في المنزل ويدع زوجته الملكة ترتدي التاج خارجه.
هذه هي المعادلة الناجحة في أي مؤسسة زوجية، ولكن وللأسف هذه المؤسسة آخذة في التلاشي لأن الأطراف المعنية فيها لا تبذل جهداً يذكر لتحسين الأوضاع وبلورة الأغلاط، فيكون الطلاق أسهل الحلول لا سيما أن المرأة أصبحت أكثر استقلالية ولم تعد تعتمد على الرجل بشكل تام.
المعروف عن أفراد العائلة المالكة في بريطانيا أنهم لا يظهرون أحاسيسهم ومشاعرهم على الملأ، غير أن الملكة لم تستطع أن تحبس دمعتها وهي تنظر إلى نعش زوجها الذي وقف وراءها وساعدها وساندها على مدى سبعة عقود من دون أن يتأفف، ومن دون أن يتذمر، فهو كان سعيدا لنجاحها في تأدية دورها كملكة، وكان يدرك تماماً أن الوضع في علاقته الشخصية معها يختلف تماماً.
المشكلة في الزواج هي أن الرجل وفي الكثير من الأحيان لا يساند زوجته ويحد من عطائها ويقص جناحيها، والمرأة أيضاً هي جزء المشكلة لأنها هي أيضاً لم تحدد موقفها، فهل هي كائن ضعيف (أو أضعف من الرجل إذا صح التعبير) أم أنها متساوية معه من جميع النواحي؟
الأمير فيليب والملكة إليزابيث درس لنا للحب الذي وقف في وجه الكثير من التحديات والتضحيات، فهو ضحى بعمله الذي يعشقه وحتى ضحى باسم عائلته، فلو حصل هذا الأمر مع رجل آخر لوصفه البعض بأنه «زوج الست».
في بلداننا العربية لا نزال نعيش من أجل إرضاء الغير ونظرة المجتمع لنا، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. الزواج شراكة يجب أن تكون مبنية على توزيع الأدوار والاحترام والتشجيع وليس العكس.
ليكن زواج الملكة والأمير عبرة لنا جميعاً.