د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وانتخاب الرئيس

تعيش ليبيا حالياً إشكالية انتخاب الرئيس إما مباشرة من الشعب، كما يرغب الليبيون، أم من البرلمان كما ترغب القلة الممثلة في الإسلام السياسي. فليبيا بعد عقد من تغييب منصب الرئيس وتنازع اختصاصاته بين رئاسة البرلمان والحكومة والقضاء الأعلى، جاء اليوم الدور على جعله مسلوب الصلاحيات بمنصب شرفي، فأضحى تغييب منصب الرئيس بصلاحياته جزءاً مهماً من الأزمة الليبية.
ترجع كلمة «رَئِيس» في اللغة العربية إلى الجذْر «ر أ س»، والرأْسُ من كل شيء، أي رئيس الدولة، وهو السلطة التي تمثل الدولة أمام بقية العالم، من خلال المشاركة بذاته أو من خلال مندوبين عنه، وفق نظام الحكم.
رأس الدولة عبر التاريخ تعددت وجوه تنصيبه من التعيين الكهنوتي في الأنظمة الثيوقراطية إلى التوريث، إلى أن وصلنا إلى الانتخاب المباشر بعد الانتخاب الفئوي، فبعض الانتخابات تعتمد على نظام انتخابي غير مباشر، حيث لا يتم إجراء اقتراع شعبي أو أن الاقتراع الشعبي هو فقط جزء من عملية الانتخاب، وفي هذه الانتخابات التصويت النهائي يتم من خلال مجمع انتخابي.
وفيما يخص الحالة الليبية وإشكالية القاعدة الدستورية لانتخابات ليبيا المقبلة، اجتمعت اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، ولكنها فشلت في تحقيق توافق حول القاعدة الدستورية بسبب خلاف حول آلية انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، أو من البرلمان، وذلك بعد تمسك الأغلبية بحق الشعب في انتخاب رئيسه، بينما تمسك الأعضاء الممثلون للإسلام السياسي بفئوية انتخاب الرئيس وحرمان الشعب من حقه في اختيار من يحكمه، فالرئيس الذي لا يختاره الشعب لن يكون ممثلاً له، بل سيكون فقط ممثلاً للفئة والجماعة التي احتكرت حق انتخابه، وبالتالي سيكون مقيد الإرادة وتحت سيطرتها.
ليبيا تعاني من إشكالية استمرار الثورة وتأجيل الدولة، لإدامة الفوضى، واستمرار نهب أموال ليبيا، بلا رقيب أو حسيب، بينما أنصار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان يسعون إلى تمرير عملية انتخاب الرئيس من البرلمان وليس مباشرة من الشعب، ليسهل عليهم اختراق الأصوات للحصول على النسبة المطلوبة للرئيس الذي يمثلهم، رغم أن البرلمان الليبي سبق وأصدر القرار رقم 5 لسنة 2014 الذي ينص على أن يتم انتخاب رئيس الدولة عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر من الشعب، وبالتالي لا يمكن ولا يحق للجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي القفز على قرار تشريعي لسلطة منتخبة من لجنة منتقاة من البعثة الدولية، ولا أحد حتى الساعة يعلم وفق أي معايير تم اختيارها.
عملية انتخاب الرئيس من البرلمان كما يسعى الإخوان إليها، ستنتج رئيساً لا يمثل الشعب، وإنما يمثل الجماعة والقوى التي انتخبته من البرلمان، وبالتالي لن يكسب شرعية تمثيل الشعب.
ليبيا اليوم في حاجة لانتخاب رئيس يعبر عن إرادة الشعب الحقيقة، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من خلال انتخاب مباشر عن طريق الاقتراع الشعبي، وبحيث يكون كل مواطن ليبي وطني بالولادة من أبوين وطنيين ويقيم في ليبيا، أهلاً كمرشّح لمنصب رئيس الدولة.
تيار الإسلام السياسي الذي لا يحظى بأي شعبية في ليبيا وليس لديه أي قاعدة شعبية، يسعى بكل ما أوتي من قوة وخداع ومكر عبر وكلائه الدوليين أن يكون انتخاب الرئيس من قِبل البرلمان ليسهل اختراق 200 عضو أمام ستة ملايين ليبي يصعب اختراقهم.