يونـس سليمـاني
صحافي جزائري يشرف على الشؤون الدولية في «الشرق الأوسط»
TT

الجزائر والتغيير المرتقب

تبدو الجزائر مقبلة على تغيير سياسي كبير يدخلها حقبة لا أحد يعرف على وجه الدقة الآن كيف ستكون معالمها. نظريا، ستكون هناك انتخابات رئاسية في أبريل (نيسان) 2014، ومنطقيا، ستسفر العملية عن اختيار رئيس جديد للبلاد، ذلك أن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة لا يسمح له بخوض التجربة مجددا.
يكتسي هذا التغيير أهمية داخلية تنبع من حاجة الجزائريين إلى ظروف معيشية أفضل في ظل بحبوحة مالية وابتعاد نسبي عن بؤر النزاع العالمي، وأخرى خارجية تتجسد في أهمية الجزائر كقوة إقليمية ومزود لأوروبا بما يقرب من ثلث احتياجاتها من الغاز.
الغريب هو أن الموعد اقترب والسلطات ستكون مطالبة بدعوة الهيئة الناخبة (إبلاغ المواطنين بالموعد الرسمي) في غضون ثلاثة أشهر من الآن، إلا أن حماسة الجزائريين للحدث تبدو باهتة وبورصة الأسماء المرشحة تبدو غامضة. ولعل ذلك راجع إلى سببين: أولا، فقدان الأمل في نزاهة الانتخابات بناء على تجارب الماضي، وثانيا، المناخ الإقليمي المتسم بالفوضى وضبابية المستقبل وبالتالي الريبة إزاء أي تغيير.
لكن رغم ذلك فإن الموعد مبرمج دستوريا ولا يمكن الفرار منه، وعليه فإن السؤال الضاغط الآن هو: من سيكون المرشح الأوفر حظا للمنصب الكبير؟ وفي ماذا تتمثل إضافته القيادية؟ وقبل ذلك ما قدرته على فرض رؤيته على الجهات العسكرية النافذة التي يتعين على أي رئيس للجزائر أن يتوافق معها قبل دخوله «قصر المرادية»؟
الجزائريون مدركون تماما أنهم لن يصنعوا أي مفاجأة يوم الاقتراع وأن الشخص الذي ستفرزه أصواتهم في أبريل هو الذي ستقدمه مسبقا الجهات المقررة في «غرف مغلقة». والغريب أيضا أن الجهات المقررة هذه لم تبد حتى هذا الوقت المتقدم أي إشارة واضحة عن مرشحها، عدا مباركتها الصامتة لبروز رئيس الحكومة عبد المالك سلال كقائم غير رسمي بمهام رئيس الجمهورية منذ فترة ليست بالقصيرة. وإذا كان رهان «الجماعة» على سلال فعلا فإنه لم يبق سوى إقناع عدد من السياسيين ينافسونه حتى يعطوا العملية مصداقية. وهؤلاء موجودون بوفرة.. يسمونهم محليا، بالمرشحين الديكور أو المرشحين الأرانب، ولهم أهداف كثيرة من حركتهم المرتقبة إلا هدف الظفر بالرئاسة. بعضهم يطمح لجس نبض شعبيته والبعض الآخر يريد الاستفادة من ميزانية الدولة المخصصة لتعزيز موقعه السياسي عموما وطبعا الحصول مستقبلا على لقب «مرشح رئاسي في العام كذا وكذا».
لكن هذا لا يعني أن كل منافس لمرشح السلطة سيكون «أرنبا». وهنا يجب الإشارة إلى أن السيد أحمد بن بيتور، وهو صاحب كفاءة وخبرة عالمية أبدى منذ مدة رغبته في الترشح، إلا أن الجزائر مع الأسف، وحالها كحال دول المنطقة، لم تصل بعد إلى هذا المستوى المتقدم لقبول زعيم زاده الوحيد هو الخبرة والكفاءة!! وعليه، فإن الجزائريين سيتطلعون خلال المرحلة المقبلة لمعرفة ما بجعبة المرشح الذي وضع أصحاب النفوذ ثقلهم وثقتهم فيه.
السيد سلال المطروح اسمه إعلاميا لـ«المهمة»، شخصية جديدة على الجزائريين نسبيا ولم يعرف سوى بممارسة مهامه كوزير للموارد المائية خلال فترة الرئيس بوتفليقة، وهو شخص مقرب منذ مدة من الرئيس الحالي. أبرز إيجابياته عدم ارتباط اسمه بأحداث العشرية السوداء وذكرياتها الأليمة، لكنه رغم حداثة ظهوره القوي فإنه أبان خلال الأشهر والأسابيع الماضية عن تبسيط مخل لطريقة ممارسة الحكم وثغرات يصعب قبولها من زعيم في هذه المرحلة (دعا الشبان المقبلين على التسجيل الجامعي قبل أيام إلى الابتعاد عن التخصصات الأدبية والتوجه نحو المواد العلمية ووضع آية قرآنية في سياق كلامي غير لائق).
الأمر المهم المطروح أمام سلال الآن لا يتمثل في إبراز مزيد من الجدية ولا تبرير نظرته المتشائمة إزاء المتوجهين نحو المواد الأدبية وإنما في إقناع الجزائريين بأن له فعلا رؤية قوية للمضي بالجزائر نحو تحقيق مزيد من المصالحة بين أبنائها المتفرقين يمينا وشمالا وبرنامج مجتمع شامل يحسن تدبير احتياطي مالي يقترب من الـ200 مليار دولار ومواجهة تحديات داخلية وإقليمية متشعبة.