عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

سمك في ماء ومنزل على المريخ

هل هي صرعة أم خطوة تقدم طبيعية في عالم أصبحت نصف حياته «افتراضية»؟ تصاعدت في الشهور الأخيرة مبيعات قطع فنية وغيرها من المقتنيات المسجلة والموثقة افتراضياً والمعتمدة على الرموز غير القابلة للاستبدال NFT؛ بمعنى آخر هي مقتنيات موجودة فقط في العالم الافتراضي، وليس لها وجود فعلي.
دفعت فيها مئات الآلاف من الدولارات وأيضا «بيتكوين» و«إثيريوم» وغيرها من العملات الرقمية، وتصاعدت المبالغ لتصل إلى ملايين. آخر الأعمال الفنية الافتراضية التي حققت مبلغاً قياسياً بيعت في شهر فبراير (شباط) عن طريق دار «كريستيز» بسعر يقترب من 70 مليون دولار، وهو رقم أثار الكثيرة من الأسئلة والحيرة والاستغراب وغيرها من ردود الفعل. ما الذي بيع ومن اشتراه؟ هل يستحق عمل رقمي مثل هذا المبلغ؟ كيف يتصرف المالك مع ما ابتاعه؟
هنا يصبح الأمر متلبكاً وغائماً علينا نحن معشر محبي الأعمال الفنية الفعلية والعالم الواقعي. الحقيقة أن المشتري يستطيع أن يفاخر بأنه المالك الحقيقي والوحيد لتلك الصورة الرقمية، يملك شهادة رقمية مسجلة وموثقة... فقط. لكنه لن يستطيع التحكم في عرضها على الإنترنت ولا على طبعها أو استخدامها من قبل آخرين، يكفيه فخراً أنه المالك الحقيقي. مثل تغريدة جاك دورزي مؤسس موقع «تويتر» والتي بيعت بحوالي مليوني دولار مؤخراً، هي موجودة على «تويتر» ومكررة في مواقع كثيرة، ولكن وجدت من يشتري ومن يدفع ليصبح المالك الموثق لها.
الأعمال المعتمدة على الرموز غير القابلة للاستبدال لا تتوقف عند صورة رقمية مهما بلغت براعة صانعها، فالسوق الفنية لمثل هذه القطعة أثبتت أن هناك من يملك المال (سواء الفعلي أو الرقمي على طريقة «بيتكوين») والرغبة لشراء ما يمكن أن نطلق عليه التعبير الشائع «سمك في ماء» ولا أدل على ذلك من الحذاء الرقمي الذي عرضته دار «غوتشي» للأزياء، للبيع بمبلغ زهيد (18 دولاراً) إذا ما قورن بالأسعار الفعلية لأحذية الدار، ولكن الفارق هنا هو أن من سيدفع 18 دولاراً لن يستطيع أن يرتدي الحذاء ولا التبختر به أمام الآخرين، وسيظل حذاؤه سجين العالم الافتراضي يمكنه ارتداؤه في الخيال ورؤيته عبر أجهزة تقنية.
في الأسبوع الماضي بدأت بعض التنبؤات بأن هذه السوق لن تستمر في الازدهار ضاربين المثل بالنزاع الذي ثار حول ملكية تصميم لمنزل رقمي على سطح كوكب المريخ وهو تصميم تم بيعه بمبلغ 288 «إيثير»، وهو ما يعادل 500 ألف دولار. المنزل أطلق عليه اسم «مارس هاوس» (منزل المريخ) وهو من تصميم الفنانة الكندية كريستا كيم نُفذ بالتعاون مع مطور ألعاب إلكترونية.
وحسب تقرير لصحيفة «ذي غارديان» فالمالك للمنزل أو للملف الالكتروني ثلاثي الأبعاد سيتمكن من التجول بحرية مطلقة داخل أرجاء وغرف منزله المريخي والتمدد على مقاعد بالقرب من حمام سباحة تحت سماء المريخ الحمراء. فقط يلزمه ارتداء أجهزة المشاهدة الرقمية ليخطو عتبة ذلك العالم الرقمي. المشكلة التي ظهرت لم تكن من قبل المشتري الذي لا شك أنه يشعر بأنه أسعد شخص في العالم والوحيد الذي يمتلك منزلاً على سطح المريخ. المشكلة والمعركة ثارت بين المصممة ومطور الألعاب الذي ساعدها في التنفيذ. من سيستطيع الفصل بينهما؟ لا نعرف حتى الآن، ولكن نحن على أعتاب عالم جديد ومختلف له قوانينه، ولكن السؤال الهائم على سحابات الواقع والعالم الخيالي أيضاً هو: هل سيستمر ضخ المال في هذا العالم أم هل سيتهاوى مع أحلام محبيه القاطنين في منازل فضائية؟ لا نعرف ولكن من يعش طويلاً سيعرف.