د. ياسر عبد العزيز
TT

«كلوب هاوس»... ما الجديد؟

ستشغل قصة ما تُسمى «وسائل التواصل الاجتماعي» العالم زمناً طويلاً بالتأكيد، وستكون مركزاً حيوياً لاهتمامه وتفاعلاته، لكنها مع ذلك ستتغير وتتطور وتتجاوب مع المستجدات والضغوط والقيود؛ مرة لموازنة عوار هيكلي يُظهر خللاً مستديماً في أدائها، ومرة أخرى لملاحقة شغف جمهور نهم لا يشبع، في وسط تنافسي شرس ومتطلب.
أما جوهر خطة اللعب الرئيسية التي تعتمدها هذه الوسائل؛ فليست الحرية والمشاركة، أو الألفة والتسرية، أو تسيير الأعمال، كما يعتقد كثيرون، وإنما يمكنك أن تجد هذا الجوهر في مقولة لمارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك»، وأحد أهم عرّابي هذا المجال، إذ يقول إن «الناس لديهم هذه الرغبة للتعبير عمّن هم، وأعتقد أن هذا الأمر كان دائماً موجوداً».
يريد الناس، كما يقرر زوكربيرغ، أن يعبّروا عن أنفسهم، وإضافةً إلى ذلك فهم يودّون أحياناً أن يشعروا شعور «الصفوة»، وأن يشاركوا في محافل حصرية، تمنحهم إحساس النخبة والاصطفاء، وتنأى بهم عن شعور الامتزاج مع العابرين والعوام. وتلك بالذات كانت العناصر التي أنضجت أنموذج أعمال «كلوب هاوس» (Clubhouse)، ووفّرت له مدخلاً سلساً، وتدشيناً لافتاً، وتمركزاً واعداً بين منافسيه من وسائط «التواصل الاجتماعي» الأخرى.
يكرّر «كلوب هاوس» قصة الوسائط الرائجة والمهيمنة ذاتها، من دون أن نلحظ تجديداً ذا بال؛ فكما حدث تماماً مع «فيسبوك»، جاءت بدايته خجولة ومحدودة لا تستهدف العموم؛ إذ أطلقته، كما قيل، مجموعة من موظفي «وادي السيليكون» كتطبيق خاص لمحادثات تقع في نطاق اهتمامهم، في مارس (آذار) الماضي، قبل أن ينضم إليه بعض المشاهير مثل كاني ويست المغني المعروف، وإيلون ماسك صاحب شركة «تسلا»، ثم يوجّه هذا الأخير دعوة إلى الرئيس الروسي بوتين، للانخراط في أحد النقاشات، فيتصدر «كلوب هاوس» قوائم الاهتمام.
وكما حدث تماماً مع «تويتر» و«إنستغرام»، لم يمر وقت طويل حتى تضاعف عدد المشاركين عدة مرات، وقفزت القيمة السوقية قفزات متسارعة، وزاد عدد المشاهير الذين انضموا إلى التطبيق، وبعدما كان تحميله مقصوراً على نظام IOS، بدأت النظم المنافسة الأخرى في خطط عمل لإتاحته لمستخدميها في أقرب وقت.
جاء «كلوب هاوس» محمولاً على أكتاف أزمة «الإغلاق العام» في ظل «كوفيد - 19»، ومدعوماً بازدهار «ثقافة العمل من المنزل»، ومستفيداً من حالة باتت واضحة لدى قطاع من المتفاعلين مع «السوشيال ميديا» سيمكن أن نسميها «ضجر الوسائط»، ومستنداً إلى عنصر نفاذه الاستراتيجي المميز والجديد: «الدخول لحاملي الدعوات فقط»، أي مداعبة غرور المشارك.
وبسبب هذه العوامل مجتمعة قُدّرت قيمته السوقية بنحو 100 مليون دولار أميركي بعد شهر واحد من إطلاقه، لكن في يناير (كانون الثاني) الماضي صعدت هذه القيمة بسرعة مذهلة لتسجل مليار دولار، وبعدما كان عدد مستخدميه لا يتعدى 1500 مستخدم في مايو (أيار) الماضي، ارتفع إلى نحو عشرة ملايين مستخدم في فبراير (شباط) الماضي، من بينهم مليونا مستخدم نشط أسبوعياً. ومع أن عدد موظفي «كلوب هاوس» لا يزيد على عدد أصابع اليدين، كما يؤكد بعض المقربين من الشركة المالكة، فإن قائمة مستخدمي التطبيق من المشاهير والمؤثرين تتسع باطراد وتضم كل يوم أسماء جديدة جاذبة ومبهرة.
يزدهر «كلوب هاوس» في الغرب بكل تأكيد، لكن الحاجة له ستكون أكبر في بلدان العالم الثالث، لأنه سيلبّي ميزة مفقودة ومطلوبة باطراد: حرية المشاركة في الشأن العام. ولذلك، فقد اهتم بإرساء بعض مقوّمات الأمان لتعزيز تلك الميزة، لكن الأجهزة المعنية بالأمر لن تعدم وسائل لإيجاد حلول للضبط والمتابعة.
يقدّم «كلوب هاوس» مزيجاً من فرص التواصل وحلقات النقاش و«البود كاست» المباشر، ويسعى لإضفاء مميزات جديدة تعزز المشاركة. وهو يتقدم ويزدهر بامتياز، لكن بعض النقاد بدأ في الحديث عن ورود «معلومات مضللة»، و«تحريض على العنف والكراهية» و«تمييز» في بعض غرفه، كما أن بعض الحكومات بدأ يُلّمح إلى استخدامات سياسية «مُغرضة» تَرِد عَبْرَه.
سيواصل «كلوب هاوس» ازدهاره، وستتضاعف قيمته السوقية، وستنهمر الأرباح على القائمين عليه. ثم سيرضى بحصته ومكانته بين أقرانه، وسيعزز قدرات جمع المال لديه سواء عبر الإعلانات أو بيع البيانات أو رسوم الاشتراكات، وسيبدأ في مواجهة ضغوط الحكومات والمنظمات والنقاد، الذين ستزعجهم لا مبالاته بالمصلحة العامة، وعدم اكتراثه بأنماط الاستخدام الضارة التي ستَرِد عَبْرَه، قبل أن يظهر وسيط جديد يلبّي جانباً جديداً من رغبة الناس في التعبير عن أنفسهم.