جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

طعام فوتوغرافي

لا.. لا.. لا!! لا تبدأ بالأكل، أريد أن أصور الطبق..
هل سمعت هذه العبارة من قبل، أو قلتها لأحد؟ حسنا اقرأ ما يلي:
في الماضي، كنا نذهب إلى المطعم لتذوق أطباق لذيذة مع الأصدقاء، وكنا نعود بعدها بصور التقطناها لتلك اللحظات الجميلة مع هؤلاء الأصدقاء والأحباب، أما اليوم فنحن لا نزال نذهب إلى المطعم للأكل أو بالأحرى لالتقاط صور لأطباق الأكل قبل أن نأكلها، إذا أكلناها.
ملاحظة: أنا لا أنتقد، لأنني على رأس لائحة المصورين للأطباق اللذيذة التي تشبه إلى حد كبير لوحات زيتية يقف وراءها فنان في المطبخ يمضي ساعات في ابتكار الطبق وتنفيذه، ليأتيك إلى المائدة مفعما بالنكهة والألوان والمذاق والرائحة، ونحن ماذا نفعل؟ نصور الطبق، وهناك درجات من الشغوفين بفن تصوير الأطباق؛ فهناك من يلتقط صورة سريعة بواسطة الهاتف الجوال، وهناك فئة أكثر تعمقا في الموضوع، فيصورون بواسطة كاميرات بعدسات عملاقة لا يتقن استخدامها إلا المحترفون، وهناك من يأتي بمنصة ليضع عليها الكاميرا ليحصل على أجمل لقطات للطبق بما حمل.
وهذه الفئة الأخيرة أثارت حفيظة العديد من الطهاة العالميين، من بينهم الشيف هيستون بلومنثال مالك مطعم «ذا فات داك» الذي يُعتبر من بين أهم مطاعم العالم، ويحمل 3 نجوم ميشلان، بعدما ازداد اهتمام مرتادي مطعمه، الذي يتطلب الانتظار للحصول على طاولة فيه أكثر من 6 أشهر.. هؤلاء ازداد اهتمامهم بتصوير الأطباق أكثر من أكلها، مما دعا الشيف بلومنثال إلى إصدار قانون في مطعمه يحظر استعمال الفلاش أثناء التصوير، وعلى أن يبقى الشخص، الذي يقوم بتصوير الأطباق، جالسا في مقعده حتى لا يعرقل حركة النُدل، ولتحاشي إزعاج الذواقة الحاضرين في المطعم.
وأكثر ما أزعج بلومنثال هو استهتار بعض مرتادي المطعم بالطبق نفسه والانغماس في عملية تصوير الطبق بدلا من التغميس فيه! وكانت النتيجة، تناول الطعام باردا، لأن بعضهم يعتقد بأنه يتميز بمزايا المصور العالمي ماريو تيستينو، متناسين الجهد الذي يبذله الطاهي وفريق العمل في المطبخ.
الكل مذنب هنا؛ فالحق على الطاهي لأن الطبق جميل جدا ويستحق التصوير، وكلنا نحب التصوير على ما يبدو، حتى المشاهير تحولوا إلى مصورين يلتقطون صورا لأطباق الطعام وينشرونها على حساباتهم الخاصة على «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، مما جعل هذه الموجة طبيعة ثانية ملاصقة لالتقاط صور «السيلفي».
ولكن وبصراحة عندما تحصل على طاولة بعد طول انتظار في مطعم على مستوى «ذا فات داك»، فلا بد أن تبلغ العالم بالأمر، وتخبر أمّتك برمتها بأنك تأكل في ذاك المطعم، فلن يبقى من ثمن العشاء الذي يصل سعره إلى 267 جنيها إسترلينيا (نحو 400 دولار أميركي) للشخص الواحد سوى الصورة كذكرى لعشاء قد لا يتكرر، وهذا ما جعل إدارة المطعم ترأف بحال هؤلاء الزوار وتسمح لهم بالتقاط الصور في حال دفعوا هذا السعر لقاء تذوق لائحة الطعام بالكامل.
لا مانع من التقاط صور الأكل، ولكن الأمر المزعج هو عندما تثني أحدهم عن الأكل وتعبث بصحنه لالتقاط صورة لطعامه قبل أن يبدأ بالأكل، فمن المستحسن الاستئذان والقيام بذلك بخفة ظل من جميع النواحي.
وألف صحتين.