د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

كفاءة توزيع اللقاح وتنشيط الاستثمار

تناول تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية 2021» التطورات الاقتصادية الدولية؛ إذ أشار إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4 في المائة عام 2021، بافتراض أن التوزيع الأولي للقاحات وباء «كوفيد19» سيصبح واسع الانتشار خلال عام 2021؛ إذ يؤكد البنك الدولي أن التعافي سيكون ضعيفاً على الأرجح؛ ما لم يتحرك صانعو السياسات بقوة لكبح جماح الجائحة وتطبيق إصلاحات لتعزيز الاستثمار والتجارة بوصف ذلك محركاً للنمو والفرص كما كانت من قبل ولفترة طويلة والمتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى.
ورغم أن الاقتصاد العالمي ينمو مجدداً في 2021، فإن الجائحة تسببت في خسائر فادحة من الوفيات والإصابات، ودفعت بالملايين نحو الفقر، وتقلص النشاط الاقتصادي والدخل لفترة طويلة. وتتمثل قمة الأولويات على صعيد السياسات في الأمد القريب، في السيطرة على انتشار الفيروس وضمان سرعة وعدالة توزيع اللقاحات على نطاق واسع. ومن أجل دعم التعافي الاقتصادي، ستحتاج الدول أيضاً إلى تنشيط الاستثمار الذي يهدف إلى نمو أقل اعتماداً على سياسة الدين الحكومي؛ إذ يواجه صانعو السياسات تحديات في الصحة العامة؛ وفي المقدمة عدم الكفاءة والعدالة في توزيع اللقاحات، وإدارة الدين، وسياسات الموازنة، وأنشطة البنوك المركزية والإصلاحات الهيكلية، في الوقت الذي يسعون فيه لضمان أن يكتسب هذا التعافي العالمي؛ الذي ما زال ضعيفاً، قوة دفع ويرسي الأساس لنمو قوي. ومن أجل التغلب على تأثيرات الجائحة ومكافحة العوامل التي تؤثر على مناخ الاستثمار، هناك ضرورة ملحة لتحسين بيئة الأعمال، وزيادة مرونة أسواق العمل والمنتجات، وتعزيز الشفافية والحوكمة.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن انهيار النشاط الاقتصادي العالمي في 2020 كان أقل شدة مما كان متوقعاً، وذلك لأسباب؛ على رأسها الانكماش الأقل حدة في الاقتصادات المتقدمة والتعافي الأكثر قوة في الصين. في المقابل، فإن تراجع النشاط في معظم اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية كان أكثر تأثيراً مما كان متوقعاً؛ إذ هناك حاجة لمعالجة الهشاشة المالية في كثير من تلك الدول، ويبين التقرير أن التوقعات ما زالت تتسم بارتفاع حالة عدم اليقين، وأن اختلاف نتائج النمو يظل محتملاً؛ إذ يشير سيناريو سوء الأوضاع، الذي ينطوي على استمرار ارتفاع الإصابات والتأخر في توزيع اللقاحات، إلى احتمال تقييد النمو العالمي عند 1.6 في المائة خلال 2021. في الوقت ذاته، يشير سيناريو تحسُن الأوضاع، الذي ينطوي على النجاح في السيطرة على الجائحة وتسارع عملية توزيع اللقاحات، إلى أن النمو العالمي قد تتسارع وتيرته بمعدل يصل إلى 5 في المائة، وفقاً للبنك الدولي.
وفي الاقتصادات المتقدمة، تعثر الانتعاش في الربع الثالث من عام 2020 عقب ارتفاع الإصابات، مما يشير إلى بطء التعافي ومواجهة كثير من التحديات. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 3.5 في المائة خلال 2021، بعد انكماشه بمعدل 3.6 في المائة خلال 2020. وفي منطقة اليورو 3.6 في المائة، بعد انخفاضه بمقدار 7.4 في المائة خلال 2020. ومن المتوقع أن ينمو النشاط في اليابان، التي شهدت انكماشاً بنسبة 5.3 في المائة خلال عام 2020، بمعدل 2.5 في المائة خلال 2021. وتوقع البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بمعدل 5 في المائة خلال 2021، بعد انكماشه 2.6 في المائة عام 2020. بينما يتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني 7.9 في المائة بعد تسجيل معدل نمو يصل إلى اثنين في المائة. وباستثناء الصين، من المتوقع أن تنمو اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية بنسبة 3.4 في المائة خلال 2021، بعد انكماشها بنسبة 5 في المائة خلال 2020.
ويستعرض تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية» الكيفية التي فاقمت بها الجائحة المخاطر المحيطة بتراكم الديون؛ والكيفية التي قد تكبح بها النمو على المدى الطويل في ظل غياب جهود الإصلاح المنسقة، وما المخاطر المرتبطة باستخدام برامج شراء الأصول بوصفها أداة للسياسة النقدية في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية. لقد زادت الجائحة على نحو كبير من مخاطر الديون في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية؛ وستؤدي آفاق النمو الضعيف إلى زيادة أعباء الديون وتآكل قدرة المقترضين على خدمة أعباء الديون. ويحتاج المجتمع الدولي للتحرك سريعاً، وأن يضمن ألا ينتهي تراكم الديون بسلسلة من أزمات الدين. ولعله من المتوقع أن تخلف الجائحة آثاراً معاكسة مستمرة على النشاط العالمي، وتؤدي إلى تفاقم التباطؤ في النمو العالمي مستقبلاً بسبب نقص الاستثمار، وانخفاض التوظيف، وتراجع القوى العاملة في كثير من الاقتصادات المتقدمة، ما لم ينفذ صانعو السياسات إصلاحات شاملة تحسن المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي المنصف والمستدام.
ويحتاج صانعو السياسات إلى مواصلة الحفاظ على التعافي، والتحول تدريجياً من دعم الدخل إلى سياسات تعزيز النمو. وفي الأمد الأطول، في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ستساهم السياسات الهادفة إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، والبنية التحتية الرقمية، والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وممارسات الشركات والحوكمة، في تخفيف الضرر الاقتصادي الناجم عن الجائحة، والحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك. وفي حال الضعف في مراكز المالية العامة وارتفاع الدين، فإن الإصلاحات المؤسسية التي تستهدف تحفيز النمو الذاتي تكتسب أهمية خاصة. وتستخدم البنوك المركزية في بعض اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية برامج شراء الأصول استجابة لضغوط الأسواق المالية، وبعد توجيه تلك البرامج إلى معالجة إخفاقات الأسواق، بدا أنها تسهم في تحقيق استقرار الأسواق المالية خلال المراحل الأولى من الأزمة. لكن في الاقتصادات التي تستمر فيها عمليات شراء الأصول في التوسع ويتبين أنها تمول عجز الموازنة، فإن تلك البرامج تؤدي إلى الحد من استقلالية البنك المركزي، وتهدد بإضعاف العملة، مما يؤدي لإزالة الدعائم التي قامت عليها توقعات التضخم.
وفي إطار موقف البنك الدولي في النظر للتطورات في الأجزاء الأخرى بالعالم، فإنه، في شرق آسيا والمحيط الهادي، من المتوقع أن يتسارع معدل النمو في المنطقة إلى 7.4 في المائة خلال 2021، وفي أوروبا وآسيا الوسطى ينمو بنسبة 3.3 في المائة، وفي أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، ينمو بنسبة 3.7 في المائة، بينما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينمو النشاط الاقتصادي بنسبة 2.1 في المائة في العام الحالي. وفي جنوب آسيا، ينمو النشاط الاقتصادي بنسبة 3.3 في المائة. وأخيراً أفريقيا جنوب الصحراء، يتجه النشاط الاقتصادي إلى الارتفاع بنسبة 2.7 في المائة.
وفي الختام؛ لا بد من الانتباه إلى أنه سيواجه بعض الاقتصادات الناشئة ومعظم الدول منخفضة الدخل، خطر تدني معدلات النمو ما لم تصاحبها إصلاحات حقيقية مع توفر اللقاحات والكفاءة في عدالة توزيعها.
* مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية
- أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً