د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وجندرة الوزارات

خمس وزيرات بحكومة الوحدة الوطنية... فقد شهدت تشكيلة الحكومة الليبية نقلة جديدة وخروجاً عن المألوف الذكوري في التشكيلات الحكومية، فحكومة الوحدة الوطنية التي ولدت من رحم الحوار الليبي، توزّرت فيها خمس سيدات ليبيات من مكونات ثقافية مختلفة، وبعضهن في حقائب سيادية ومهمة؛ منها الخارجية والعدل، رغم التحديات الشائكة والصعبة وملفات المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، والسيادة المنتهكة، وعلاقات ليبية خارجية متأزمة بسبب إرث ضخم من المشكلات الدولية؛ ليس آخرها الهجرة غير القانونية التي تعدّ ليبيا بلد عبور فيها، ناهيك بعلاقات متأزمة مع بعض الدول الإقليمية بسبب التجاذبات والانقسام الحكومي وصراع السنوات الست الماضية، التي جعلت من ليبيا دولة بحكومتين ومزدوجة التعاطي المتناقض مع العالم الخارجي، خصوصاً الإقليمي، ناهيك بوزارة العدل التي أُسندت أيضاً إلى سيدة في مقابل ملفات السجناء من العهدين «السبتمبري» و«الفبرايري»، وسجناء الرأي والخلاف السياسي عند طرفي الصراع، والذين حكمت عليهم «محكمة» تابعة لإحدى الميليشيات النافذة في طرابلس بأحكام منها قطع الأيدي والأرجل من خلاف... وجميعها ملفات على طاولة وزيرة العدل الجديدة.
النقلة النوعية في تشكيلة الحكومة جعلت حقيبة الخارجية، ولأول مرة في تاريخ ليبيا الحديث، تتولاها امرأة ناشطة مدنية ومن خارج السلك الدبلوماسي والسياسي، مما سيجعل رهان رئيس الحكومة صعباً في حقيبة من أهم الحقائب في حكومته، فتشكيلة حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة حصة المرأة فيها نسبتها 15 في المائة، وستكون أكثر من ذلك في الهيئات؛ وذلك لأول مرة في تاريخ الحكومات.
جاءت هذه الكوتة بعد حوار تونس، فقد جرى تضمين نسبة 30 في المائة للمرأة بحكومة الوحدة الوطنية في الوزراء والوكلاء ضمن اتفاق تشكيل الحكومة في ذلك الحوار، وذلك بضغط شديد من الفريق النسوي المشارك فيه، مصحوباً بضغط من بعثة الأمم المتحدة وبعض الدول الراعية، فالحكومة الليبية لا نستطيع الجزم بأن خريطة تشكيلها كانت ليبية خالصة ونقية، بل شهدت تدخلات بعض السفارات الأجنبية لدرجة أنها عرقلت تسمية وزير الدفاع.
المرأة الليبية أثبتت جدارة في مناشط ومناصب كثيرة، مما يجعل خطوة جندرة الوزارات إيجابية في اتجاه إقحام المرأة الليبية في مجال السياسة والعمل المؤسسي ضمن وزارات كانت لزمن قريب محتكرة ذكورياً، لتشارك المرأة الليبية بشكل فعال ضمن واجهة نسوية بعد أن كادت تصبح وزارة الخارجية بجيش سفرائها ذكورية بامتياز.
رغم جندرة بعض الوزارات وإعطاء بعض الحقائب الوزارية السيادية لسيدات، فإن هذا لا ينفي أن المجتمع الليبي مجتمع ذكوري في عمومه، خصوصاً بعد تصريح رئيس الحكومة بالقول: «المجتمع الذكوري في ليبيا كان محتشماً في تقديم المرأة لنا كمرشحات للحكومة»، ولكن بعد سجال ونقاش مكنت المرأة من تحقيق وجودها في تشكيلة الحكومة بشكل مُرضٍ وفعال، ولهذا تبقى خطوة تشكيل الحكومة بتوازن نسوي مقبول في مجتمع يوصف بـ«الذكوري»، إيجابية لعلها تساعد في إنهاء الحالة الذكورية في المجتمع، ولهذا كان مبرر رئيس الحكومة في منح وزارة الخارجية لسيدة هو محاولة تغيير نظرة المجتمع الدولي، والمجتمع المحلي، لدور المرأة الليبية، في ظل قيم ذكورية رسخها الإسلام السياسي من خلال خطاب متحيز للذكور دون الإناث، مما تسبب في سيطرة الذكور على الإناث بسبب التأنيث والتذكير في الخطاب الإفرادي، والثقافة المجتمعية.
وجود المرأة الليبية ضمن الوزارات السيادية والمهمة كالخارجية والعدل، ولو ضمن كوتة، يمكن وصفه بالانتصار، ولكن في ظل وجود ملفات عالقة في الوزارتين يعدّ اختباراً صعباً للمرأة الليبية لإثبات جدارتها... وأظنها قادرة على ذلك.