لم تصل المفاوضات إلى درجة تفاؤل، ولم يبقَ في قوس الصبر منزع، إثيوبيا غير واضحة في التعامل مع ملف سد النهضة، آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، أقسم في القاهرة على التعهد بعدم الإضرار، كل شيء تغير، تبدلت التعهدات، قلاقل داخلية تتزايد.
آبي أحمد يعيش مخاوف الانفجار، صاحب «نوبل» لم يَزِن الأمور وفق قيمة التاريخ والجغرافيا، حساباته خاطئة، لا تصب في الصالح العام لدولته، والدول لن تتمسك بمن يقودها إلى ورطة.
دوائر الصراع حول أفريقيا، تجد في آبي أحمد ورقة، يمكنهم اللعب بها، ربما لم يدرك أنه يتم استخدامه، والاتجار به.
اتسعت دائرة النزاعات والخلافات الداخلية، اهتز مقعده، راوده فزع الإطاحة به، هرب إلى الأمام بتأزيم العلاقات مع مصر والسودان، ونقل بؤرة الرأي العام الإثيوبي من مشكلاته الداخلية إلى خارج الحدود.
لم تنطلِ تصرفاته هذه على الشعب الإثيوبي، الذي طالب بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها حتى يختار من يمثله، ويضمن استقرار الأمن القومي لبلاده.
مفاوضات سد النهضة اتخذت منحى المماطلة والتطويل، والمراوغة، ووضع العربة أمام الحصان من الجانب الإثيوبي، علامات استفهام وتعجب تلف ملامح الموقف الإثيوبي، قادم الأيام سيكشف ماذا دار ويدور في الكواليس؟
مصر والسودان، دولتا المصب، طرقتا كل أبواب الحلول السلمية والسياسية التي تحمي وتصون حقوق الشعوب الثلاثة؛ «مصر، والسودان، وإثيوبيا»، اتفاق المبادئ قال كلمته في مارس (آذار) 2015، واشنطن والبنك الدولي قاما بدور الوساطة، وثائق هذه الاجتماعات بواشنطن تشهد على موافقة الجانب الإثيوبي على اتفاق يناير (كانون الثاني) 2019، الذي وضع أساس اتفاق عادل وشامل ملزم للأطراف الثلاثة.
مختبرات المصالح السياسية أقنعت أديس أبابا بالتصعيد إلى أبعد مدى، ظن النظام الإثيوبي أنه على حافة التفاوض من أعلى، لكنه لم يدرك أن مواقفه المتعنتة ستقوده إلى حافة الهاوية، رفض كل الأفكار والمقترحات والوساطات العربية والأفريقية والدولية، تمسك بخيار واحد، يقوم على دفع الآخرين إلى تدويل القضية، الوقت ليس في صالح الأطراف الثلاثة، لا أحد يعرف على أي الشواطئ سترسو سفينة مفاوضات السد؟
رياح وعواصف وضباب أحمر في سماء الرؤية الإثيوبية، الطريق إلى يوليو (تموز) المقبل «موعد الملء الثاني» لبحيرة النهضة يحتاج إلى مرونة وتمهيد، والتزام القوانين والمواثيق الدولية من الجانب الإثيوبي.
مصر والسودان لن تقبلا بسياسة الأمر الواقع، وفرض الملء الثاني، من دون التوصل إلى اتفاق عادل وملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، حسابات دولتي المصب تقول إنهما لن يفرطا في حق شعبيهما في الحياة، وأيضاً لن يمنعا حق الشعب الإثيوبي في التنمية، القاهرة والخرطوم تقدمان معادلات منصفة بشأن الاستخدام العادل لمياه النيل الأزرق، في حين أن أديس أبابا تضرب عرض الحائط بكل قوانين الأنهار الدولية، بل إنها تسعى للهيمنة الكاملة على النيل الأزرق.
هيمنة أديس أبابا هذه، لا يمكن أن تؤدي إلى تحقيق التنمية التي تسعى إليها، ولا سيما أن المتابع للمشهد السياسي الإثيوبي يتأكد له أن هذا التعنت ينعكس أيضاً على ملفات أخرى، مثل وحدة النسيج الاجتماعي والسياسي الإثيوبي، والخلافات على الحدود السودانية، والتعدي على حقوق دول الجوار، مثل سيطرتهم على منطقة «أوجادين» الصومالية.
إذن نحن أمام حالة تهور سياسي غير مسبوق في تاريخ العلاقات الثلاثية؛ «المصرية - السودانية - الإثيوبية»، تحتاج إلى عودة أديس أبابا إلى رُشد العلاقة الأزلية الثابتة التي حكمت خرائط الاستقرار بين العواصم الثلاث.
ربما يتساءل البعض، ماذا في جعبة آبي أحمد، الذي أوصله إلى كل هذا التعنت؟ وهل أديس أبابا ترى أن القاهرة والخرطوم ليست لديهما أوراق أخرى للحصول على حقوقهما المشروعة؟
في الحقيقة، الشواهد تقول إن آبي أحمد سينطلق من زاوية ضيقة، تحكمها أنانية سياسية، لا ترى مصالح الشعب الإثيوبي، وإنه فقط يريد تثبيت أركانه في السلطة لأطول فترة ممكنة من خلال خطابات ومواقف شعبوية باطلة، ليست لها علاقة بالواقعية السياسية، وإنه يحاول استثمار خلافات بعض الأطراف الإقليمية مع دولتي المصب لكسبهما إلى أرضية تفاوضه.
أما فيما يتعلق بأوراق القاهرة والخرطوم في التعامل مع هذه القضية، فيخطئ من لم يقدر أهميتها، فأوراق دولتي المصب كثيرة ومتنوعة، تجمع بين السياسي والاقتصادي والإقليمي والدولي، من بين هذه الأوراق ما طرحته مصر والسودان بشأن آلية الوساطة الرباعية الدولية التي تضم «الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي»، وهذا الطرح يتفق مع القانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة؛ حيث ينص الفصل الثامن من ميثاق المنظمة الدولية، أنه في حالة فشل المنظمة الإقليمية «الاتحاد الأفريقي»، في التوصل إلى حلول سياسية، يتم إحالة القضية إلى الأمم المتحدة للتقريب بين الأطراف المتصارعة.
أما الورقة المتعلقة بوساطة الولايات المتحدة، فهي تنطلق من نجاح واشنطن في صياغة ما يسمى ميثاق واشنطن الذي يضم كل التفاصيل الفنية، التي توصلت إليها الأطراف الثلاثة، بمساعدة وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، ومن ثم فإنَّ مصر والسودان تريدان البناء على ما تحقق في أميركا.
وفيما يتعلق بورقة الاتحاد الأوروبي، فهو شريك في جميع جولات التفاوض بصفة المراقب، وبالتالي فـإنَّ مشاركته ستكون فاعلة في الفترة المقبلة، لتوسيع المساحات المشتركة بين الأطراف الثلاثة.
من الأوراق التي لم تستخدمها القاهرة والخرطوم حتى هذه اللحظة، هي الورقة الاقتصادية، فمن المعروف أن السدود التي عليها خلافات، لا يجوز تمويلها من الدول أو من المؤسسات المالية الدولية، وهنا يمكن للقاهرة والخرطوم في ظل هذا التعنت الإثيوبي أن تفعِّلا هذه الورقة أمام المجتمع الدولي لتطبق القوانين والمواثيق الدولية.
في النهاية، برغم مزيد من التعقيدات التي صنعها آبي أحمد، فإنَّ القاهرة والخرطوم لا تزالان تمدان أيديهما إلى أديس أبابا، أملاً في الوصول إلى اتفاق قانوني وملزم، يحفظ حقوق كل الأطراف، ولا سيما أن تاريخ القاهرة والخرطوم يقول إنهما لن تقبلا بسياسة الأمر الواقع.
8:2 دقيقه
TT
«سد النهضة» ورُشد العلاقة الأزلية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة