مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

علاقة لندن "الخاصة" بواشنطن

لدى كل دولة ثوابت تحدد سياساتها الداخلية والخارجية وتعتبر اطاراً لتحديد مواقفها في ما يخص الأحداث والتطورات اليومية. ولدى المملكة المتحدة توابث عدة في سياستها الخارجية المعاصرة، بعد أن غربت الشمس على الامبروطورية منتصف القرن الماضي. وتعتز المملكة المتحدة بأنها احدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولذلك تتمسك بالأسلحة النووية لتضمن مكانها فيه، كما ان الملكة اليزابيث الثانية مازالت تعتبر السلطة الاعلى لـ15 دولة ضمن "الكومنويلث"، وليس فقط بريطانيا. ولكن الصفة التي تهتم بها وزارة الخارجية البريطانية اكثر من غيرها هي "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة، وكونها الحليف الأقرب لواشنطن. فتسمية "العلاقة الخاصة"، التي استخدمت منذ عقود للتأكيد على التحالف الاستراتيجي بين البلدين، تستخدم في المناسبات الدبلوماسية التي تجمع قادة البلدين وتستخدم للتأكد من ان البلدين يخدمان مصالح بعضهما البعض خاصة بناء على "قيم مشتركة" هي اساس الديمقراطيات الغربية اللبرالية.
ولكن بين تارة واخرى، تعيش "العلاقة الخاصة" فترة حرج عندما تظهر فجوة في موقفي لندن وواشنطن. وعاشت الأوساط البريطانية السياسية والاعلامية عشرة ايام من التساؤلات المعمقة حول "العلاقة الخاصة" بعد ان صوت البرلمان البريطاني يوم 29 اغسطس (اب) ضد استخدام القوة في سوريا، ليعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عدم مشاركة بلاده في اي تحرك عسكري تقوده الولايات المتحدة في سوريا. وهذا القرار وضع الحليف الأميركي في موقف صعب مازالت تداعياته تتوالى. وعلى الرغم من ان موت السوريين مستمر يوميا، دخل محللون وصحافيون في لندن في نفق تحليل "موت" العلاقة الخاصة مع واشنطن، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الاميركية جون كيري يوم 30 اغسطس بأن فرنسا "الحليف الأقدم" للولايات المتحدة، ومن دون الاشارة الى لندن في خطاب مطول عن سوريا. وخلال 10 ايام، اصبح التحالف الأميركي – الفرنسي والتقارب بين البلدين على حساب "العلاقة الخاصة"، الى درجة دفعت الدبلوماسية البريطانية تعمل بكافة قواها لاقناع وزير الخارجية الأميركية بزيارة لندن عقب اجتماعات موسعة قام بها خلال عطلة نهاية الاسبوع في بارس. ولحسن حظ مشجعي "العلاقة الخاصة"، نفعت الدبلوماسية البريطانية واقتنع كيري بضرورة زيارة لندن.
وجاءت زيارة كيري الخاطفة الى العاصمة البريطانية صباح الاثنين لتهدئ البريطانيين، حيث اعلن ان "روابطنا اكبر من عملية تصويت واحدة في البرلمان، انها اكبر من لحظة واحدة في التاريخ، انها تتعلق بالمبادئ". واستخدم كيري "الكلمة السحرية" عندما قال: "علاقتنا الخاصة في المملكة المتحدة لا تتمحور فقط حول سوريا".
وكان من اللافت ان على الرغم من التطورات الدولية الحرجة وعلى رأسها الأزمة السورية، خصص كل من كيري ونظيره البريطاني نصف تصريحاتهم للعلاقات بين البلدين. وقال هيغ من طرفه: "في الصميم، العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي تحالف للقيم، قيم الحريات وحماية السلم والامن الدوليين". وبينما اكد كيري مجددا على اهمية "العلاقة الخاصة"، كان الارتياح واضحا على وجه هيغ، على الرغم من المعاضل الكثيرة التي تواجه العالم من بينها الأزمة السورية التي تصدرت اللقاء بين الوزيرين وشغلت العالم منذ اكثر من سنتين ونصف السنة. ولكن لوهلة، كانت العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن ولندن تحت ضغط سارعت حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان تزيله. وفي أول موقف سياسي له منذ توليه مهام السفير الاميركي لدى لندن، نشر ماثيو رابزن مقال رأي في صحيفة "ذا ابزورفر" يوم الاحد قال فيه: "النقاش والاختلاف كانا دائما عناصر من العلاقة بين بلدينا، والامر الاكثر اثارة هو عندما توجد خلافات في وجهات النظر، هذه لا تضر او تضغف القوة الاساسية لعلاقتنا".
وخصصت اعمدة رأي ومقالات اخبارية لـ"العلاقة الخاصة" مجددا يوم الثلاثاء، وطمأنت صحيفة "الاكسبرس" الشعبوية البريطانيين بعنوان "العلاقة الخاصة بأمان". والى حين موقف جديد من اختلاف وجهات النظر بين لندن وواشنطن، يمكن للبريطانيين الارتياح لسلامة "العلاقة الخاصة".