علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

تقنين القوانين

في جميع أنحاء العالم هناك دساتير ذات نصوص عامة وتضبط إيقاع العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وعلى ضوء هذه الدساتير تنشئ السلطة التنفيذية القوانين كقانون الأحوال الشخصية، والقانون الجنائي بحيث تستمد هذه القوانين من روح الدستور وألا تتعارض معه.
في السعودية الأمر مختلف، فالدستور القرآن الكريم وهو مصدر القوانين، لذلك تختلف أحكام القضاة في قضية واحدة من منطقة إلى منطقة، وغالباً ما تختلف من مكتب قاضٍ إلى مكتب قاضٍ آخر في ذات المحكمة، والسبب اختلاف القضاة في فهم النص وتفسيره، رغم أن الفقهاء قد أوجدوا الفقه وهو أعلى درجات فهم النصوص وتطبيقها، وهو عبارة عن قانون يبين الممنوع والمسموح، ويبين الجزاءات، فللقاتل جزاء محدد إذا كان عمداً، وجزاء آخر إذا كان عن غير عمد، والأحكام الأخرى ينظمها الفقه، الذي يعتبر قانوناً أو لائحة تفسيرية للدستور.
السعودية كانت تسعى لوضع قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية منذ زمن طويل، ولكنها لم تنجز ذلك. وهنا تحضرني قصة حينما كان الشيخ محمد بن إبراهيم الجبير «رحمه الله» وزيراً للعدل، فقد اجتمعت لجنة مكونة من مختصاً للتصويت على وضع قوانين محددة مستمدة من الشريعة الإسلامية، ولكن صوّت سبعة من المجتمعين ضد ذلك، فيما صوت ستة لوضع القوانين، منهم ابن جبير، الذي كان وزيراً للعدل ورئيساً للجنة، وبهذا أغلق الملف رغم تصويت ابن جبير مع وضع القوانين وبناء على تصويت الأغلبية.
اليوم، تسعى السعودية لبلورة قوانين محددة تحد من سلطة القاضي في تفسير النص، وبحيث تتشابه العقوبات ولا يكون بينها فوارق كبيرة، لأن أي قانون يعطي عقوبتين دنيا وعليا مثلا تنص القوانين عند ارتكاب جرم معين أن يعاقب المجرم بالسجن سنة أو غرامة عشرة آلاف ريال أو بهما معاً، وتترك للقاضي حرية تطبيق إحدى العقوبتين أو كليهما، وحسب ظروف الجرم لكنه لا يستطيع الخروج عن هذا النص.
نعود لمعرفة فائدة تقنين النصوص أولاً، يعرف من أدين العقوبة وأنها لن تخرج عن نص مكتوب وواضح ومحدد، ثانياً، كان الاقتصاد يعاني من عدم وضوح القوانين، خاصة البنوك التي كانت تصطدم بالقوانين التي تحرّم الفائدة، ما يجعل المقترضين يماطلون في السداد لمعرفتهم أن القضاة سيلغون الفائدة ويكتفون برد رأس مال البنك، ما يحرم البنك من هامش الربح، وبالتالي يرفع سعر الفائدة لمواجهة المخاطر المحتملة.
وقد حدا ذلك بالمشرع أن يحيل قضايا البنوك للجنة قضائية تابعة للبنك المركزي السعودي.
الآن وإذا وضعت القوانين فستكون الجزاءات رادعة وواضحة وغير قابلة للتفسير، ما يعزز وضوح الحقوق. وأنتم تعرفون أنه إذا ارتفعت الفائدة عزف أصحاب المشاريع عن أخذ القروض، ما يعطل عجلة الاقتصاد... ودمتم.