جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

365 يوماً وليلة من العمل من المنزل

أحتفل اليوم بعامي الأول من العمل من المنزل بسبب الجائحة التي ضربتنا وغيرت طريقة عيشنا، وحولت مطابخنا وغرف نومنا إلى مكاتب، وجعلتنا نعيش في سجن كبير نحلم من خلف نوافذه بحياتنا التي كنا نتأفف منها في الماضي ونقول سقا الله تلك الأيام التي كنا نستيقظ فيها باكراً ولدينا مخطط للنهار وبرنامج للمساء، لنجد أنفسنا اليوم في دوامة تتشابه فيها الساعات والأيام، وحتى الوجوه التي يسمح برؤيتها.
بعد عام من العمل في المنزل، تعلمت الكثير واكتشفت مزايا عديدة في شخصيتي، تأكد من اقتناعي بمهنتي وتعلمت بأن أكون مكتفية بما أملك وسعيدة بما لدي.
الذي حصل قلب المعايير وغيّر النفوس، العمل من المنزل يطرح العديد من التساؤلات، من بينها إمكانية الرجوع إلى أماكن العمل وفتح شهية أصحاب الأعمال على مواصلة العمل من المنزل لأسباب اقتصادية وتوفيراً للمال.
العمل من المنزل جعلنا نحب مكان سكننا أكثر، فألفناه بشكل أكبر بعدما كان في الماضي مجرد مسكن للنوم وليس أكثر، ولكن وبعد عام من العزلة، أرى بأن العودة ستكون صعبة على الذين اعتادوا على تلك الصومعة المحتمة، فالإنسان كائن يتعود بسرعة على أنماط عيش جديدة، ولكن هذه المرة مختلفة لأن الجائحة زرعت في العالم الخوف وفتحت عيونهم على أشياء لم تكن تخطر على البال من قبل، مثل السلامة والصحة والنظافة والخوف على أنفسنا وعلى الآخرين.
في بريطانيا تلقى اليوم نحو 15 مليون شخص اللقاح، وأنا من بينهم، وهنا يجدر التوضيح، ليس لأني طاعنة في السن؛ وإنما لأني أعاني من وضع صحي يجعلني من بين الذين يحتم عليهم تلقي اللقاح قبل غيرهم، فبعد أن تلقيت الجرعة الأولى من اللقاح شعرت ببصيص أمل في العودة إلى الحياة الطبيعية، فاشتقت إلى زملائي واشتقت إلى مكتبي والصور التي تزينه، والفوضى التي تضربه بين الفينة والأخرى، ودرج الحلويات بجانبي كرسي الأزرق، واشتقت لرؤية الوجوه التي أحبها والتي كانت رفيقتي كل يوم، اشتقت للتجمعات الجميلة التي منها يستقي الصحافي أفكاره ويجعل من الأحاديث المفيدة مواضيع شيقة يشارك بها القراء ومحبي القراءة.
اشتقت للكثير من الأشياء، ولكني وفي الوقت نفسه خائفة من العودة؛ لأنها ستكون صعبة بعد أن اعتدنا على طريقة عيش مختلفة لمدة عام كامل.
في وقت اشتقت فيه للتأنق في الصباح والاستعداد للذهاب إلى المكتب، اليوم أقف في حيرة من أمري، أي بدلة رياضة ألبسها لبدء يومي في العمل من المنزل، نسيت كيف أنتعل الكعب العالي الذي كنت من أنصاره وكنت أستطيع جري الماراثون به، اليوم ألفت رجلي حذاء الرياضة، ولا أعرف إذا كانت ستتذكر ما كانت تنتعله قبل «كورونا».
هذه الأشياء قد تبدو تافهة ولكنها مهمة، فالعودة إلى المكاتب قد تكون قريبة، على الأقل بعد حصول أكبر عدد ممكن من الناس على اللقاح، ولكن السؤال الذي يدور في بالي يومياً «كيف ستكون العودة؟ وكيف سنكون نحن؟ كيف سنتعامل مع بعضنا بعضاً؟». أسئلة كثيرة تجول في ذهني، خاصة أن الناس تختلف من ناحية القدرة على التأقلم على ظروف مستجدة. فهناك الفئة التي تفضل الوحدة والعزلة، وبالطبع هناك نسبة قليلة لا يهمها المكان لأنه مجرد رقعة للتواجد.
بصيص الأمل بدأ يلوح في الأفق وكلنا رجاء بأن تنقشع هذه الغيمة السوداء التي خيّمت على نفوسنا وقلوبنا. على أمل العودة القريبة بعد 365 يوماً وليلة من العمل من المنزل الذي لا يفرق ما بين بحر أيامه وسواد لياليه.