جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

سياحة «الفاكسين»

كان السفر إلى القمر حلماً واليوم أصبح السفر بعينه حلماً، في الماضي القريب توفرت لنا سبل السفر والسياحة واكتشاف البلدان، غازلنا الثقافات بوسائل عديدة، سافرنا بأجمل الطائرات وأسرع القطارات وأفخم السفن، واليوم وبعد نحو العام على تفشي فيروس كورونا الذي طال البشر والحجر والاقتصاد، ذلك السجان عديم الضمير الذي وضعنا في زنزانات انفرادية حرمنا من التواصل الاجتماعي وغير الاجتماعي، حرمنا من كل شيء حتى التنقل.
السفر والسياحة أصبحا شيئاً من الذكريات، العام الماضي كنا نتكلم عن السفر إلى القمر لدرجة أن هناك من حجز تذكرة لزيارة القمر في عام 2023، واليوم يحلمون برؤية المطار وليس المركبة الفضائية التي بنوا عليها أحلامهم لتأخذهم إلى خارج كوكبنا بعد أن أصبح كوكبنا عجيباً وغريباً، ولم يعد لدينا حالياً أي حلم غير اللقاح.
في بريطانيا توصل العلماء إلى اختراع نوعين من اللقاحات ضد فيروس كورونا، غير أن الأولوية فهي للمتقدمين بالسن، وهم مَن فوق السبعين من العمر أو لحالات استثنائية، بينما استطاعت دولة الإمارات بدء حملة التطعيم؛ مما جعلها وجهة شهية لأصحاب الملايين المقيمين في لندن.
فنظم نادٍ خاص في العاصمة البريطانية قيمة الانتماء إليه 25 ألف جنيه إسترليني سنوياً، رحلات سياحية لتلقي اللقاح في كل من الهند ودبي وأبوظبي، ويشمل العرض السفر على متن طائرة خاصة والإقامة لفترة تفوق الـ21 يوماً؛ لأن هذا الوقت مطلوب لتلقي الجرعة الثانية من اللقاح، واللافت في إعلان النادي الخاص لتلك الرحلات هو التشديد على عنصر الرفاهية والإقامة الفاخرة في فيلا مطلة على البحر مع بركة سباحة خاصة، مع كل مغريات الحرارة الدافئة والشمس الدائمة.
ولا يقتصر العرض على السفر إلى الإمارات أو الهند فقط، إنما يصل إلى مدغشقر، فهناك إمكانية للسفر إلى الوجهة الثانية بعد تلقي اللقاح الأول لتفادي الملل، نعم الملل الذي أصبح رفيق صباحاتنا وبحور أيامنا وأماسينا الحزينة التي تتشابه والتي نشكر «نتفليكس» على كل فيلم سخيف وظريف تقدمه لنا في ظل الحجر والتعب النفسي.
ريتشارد برانسون، رجل الأعمال البريطاني وصاحب شركة طيران «فيرجن»، وعدنا بعد إطلاقه «فيرجن غالاكتيك» برحلات إلى القمر لقاء مبلغ 250 ألف دولار أميركي، متوقعاً بأن تتوفر الرحلات بشكل أكبر بعد عام 2023 ليتدنى سعر التذكرة إلى 40 ألف دولار، في حين يبلغ سعر رحلة اللقاح إلى الإمارات أو الهند 40 ألف جنيه إسترليني.
معنى السفر تبدل، فأصبح مرعباً يخيف المسافرين من اسمه بعدما اعتمده الفيروس للتنقل بين البلدان.
ليس هناك مانع في تلقي اللقاح على طريقة «سياحة الفاكسين»، خاصة أن مستقبل السفر والعمل قد يعتمد على اللقاح وقد لا يكون أمامنا كأفراد الخيار إلا في تلقيه مهما كان رأينا به ولو كنا من المؤمنين بالتواطؤ ونظرية المؤامرة ورصد تحركاتنا عبر اللقاح الذي يزرع في ذراعنا متناسين الهاتف الجوال الذي يعتبر أهم جاسوس في التاريخ.
المهم في الموضوع هو عالم السفر الذي تضرر بشكل كبير وقد يستغرق وقتاً طويلاً ليعود إلى ما كان عليه، فنحن لا زلنا نعاني من ريتشارد ريد «مفجر الحذاء» الذي بسببه فرض على المسافرين خلع أحذيتهم في المطارات منذ عام 2001، فتخيلوا أننا كنا نتأفف من خلع الحذاء، واليوم أضفوا إلى ذلك وضع الكمامة لساعات سفر طويلة بدءاً من أرض المطار.
سياحة اللقاح لن تخدم إلا أصحابها لأنها تمنحهم الطمأنينة، فالنفس غالية ولا نرى مشكلة في ذلك، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تكهن السياحة المستقبلية وتأقلمنا معها.