سام فازيلي
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

الغاية المنشودة في القضاء على الفيروس

كان من شأن ظهور لقاحات ضد فيروس «كوفيد 19»، تركيز جهود مكافحة الوباء على توزيع اللقاح على أكبر عدد ممكن من الأفراد في أسرع وقت ممكن. ومع هذا، ما تزال البؤر الساخنة لتفشي الوباء مستعرة في مختلف أرجاء العالم، مع ظهور آلاف الإصابات الجديدة يومياً، ووقوع الأنظمة الصحية تحت وطأة ضغوط كبيرة كي توفر الرعاية اللازمة للمرضى، وهو واقع سيستمر بعض الوقت.
في الوقت ذاته، تستمر الجداول الزمنية المقررة في التمدد أكثر فأكثر. ومع وضع هذا في الاعتبار، فقد حان الوقت لتقييم ما توصلنا إليه في علاج هذا المرض. أما الإجابة الموجزة هنا فهي أن ثمة تقدماً تحقق، لكن النتيجة العامة مختلطة.
على امتداد أشهر، جرى استخدام عقار «ريمديسيفير» من إنتاج «غيلياد ساينسيز إنك». و«ديكساميثازون» في الخطوط الأمامية، بعد أن ثبت أنَّهما يقللان من فترة إقامة المرضى داخل المستشفيات، ويحسنان معدلات التعافي. الآن، ومع حصولنا على مزيد من المعلومات بخصوص فيروس «كوفيد 19»، أثبت مزيد من العلاجات، بما في ذلك علاجات أثارت شكوك الأطباء والعلماء بداية الأمر، فعاليتها في ظروف معينة. بينما البعض الآخر، مثل بلازما دم المتعافين، لم يتحقق مع ذلك. ولنلقِ نظرة سريعة على العلاجات:
اثنان من العقاقير المخصصة لعلاج التهاب المفاصل أخفقا من قبل في علاج مرضى فيروس «كوفيد 19»؛ هما توسيليزوماب من إنتاج «روتشي هولدينغ إيه جي» وساريلوماب من إنتاج «سانوفي ريجينيرون إنك»، يظهران اليوم تأثيراً إيجابياً ملحوظاً في المساعدة على تقليل عبء المرض عن كاهل بعض المرضى. ويبدو أن توقيت الاستعانة بالعقاقير يحمل أهمية حيوية، فقد كشف أحدث البيانات المرتبطة بتجربة شملت مرضى عولجوا في غضون 24 ساعة واحتياجهم لرعاية المستشفى في وحدة العناية المركزة، نجاح الأدوية في خفض معدل الوفيات. وتشير البيانات إلى أنَّه سيجرى إنقاذ أرواح 7 أو 8 أشخاص من بين كل 100 يجرى علاجهم. ونأمل أن يجري تأكيد هذه البيانات في تجربة «التعافي» الأكبر داخل المملكة المتحدة، التي تجري الآن، والتي في إطارها يحصل أكثر عن 3000 من إجمالي 28000 مشارك على «توتشي». ومن المتوقع أن تقدم هذه التجربة البيانات الأكثر واقعية عن العقار، وربما تتيح الحصول على موافقات عالمية خارج حدود بريطانيا.
ننتقل الآن إلى عقاقير جديدة طوّرتها شركتا «إيلي ليلي آند كو»، و«ريجينيرون»، في إطار مجموعة واعدة من العلاجات، تسمى الأجسام المضادة أحادية النسيلة، تحاكي استجابة الجسم للعدوى. كان عقار باملانيفيماب، من إنتاج «إيلي ليلي»، والمعروف باسم «بام بام»، أول من نال موافقة الاستخدام الطارئ من جانب إدارة الغذاء والدواء. وتمت الموافقة الآن على العلاج الذي قدمته كل من «إيلي ليلي» و«ريجينيرون» في علاج المرضى المعرضين لمخاطر مرتفعة من أجل تقليص أعداد المرضى الذين يحتجزون في المستشفيات.
وكانت إحدى العقبات التي تحول دون اعتماد هذه الأدوية الخدمات اللوجستية التي تتطلبها، ذلك أنه من الضروري حقن المرضى بها باستخدام معدات حقن معدة خصيصاً لهذا الغرض. وتفاقمت الصعوبات أمام «بام بام» بسبب تضارب البيانات المرتبطة بفعاليته والتعليقات الفاترة التي نالها في إرشادات علاج مرضى فيروس «كوفيد 19» من المعاهد الوطنية للصحة، ما أدى إلى تراكم جرعاته على أرفف المستشفيات.
إلا أن هذا الوضع ربما يكون على وشك التغيير، وذلك بفضل دراسة صدرت عن «مايز كلينيك» أجريت على 2000 مريض، وخلصت إلى أن استخدام «بام بام» يقلل معدل الحجز داخل المستشفيات ودخول غرف الطوارئ بنسبة 70 في المائة. أيضاً، ثمة مؤشرات توحي بتراجع معدلات الوفيات. وعليه، من المتوقع زيادة الاهتمام باستخدام «بام بام»، وكذلك علاج «ريجينيرون» بالأجسام المضادة.
ومع هذا، أتمسك من جانبي بالحذر إزاء الاستخدام واسع النطاق لهذه الأدوية بسبب إمكانية أن تسفر عن إسراع وتيرة تحور مقاومة الفيروس، وكذلك إمكانية أن تؤثر على المناعة التي يكسبها اللقاح للجسم، وإن كان هذا الأمر يبدو غير محتمل.
من جانب آخر، واجه العلاج ببلازما دماء المتعافين، الذي كان مصدر أمل كبير خلال الأيام الأولى للوباء، إخفاقات لاحقة، وكانت مشكلة المحاولات السابقة لإظهار الفائدة من هذا النهج تكمن في الافتقار إلى التقييم واستخدام البلازما في التوقيت الخاطئ.
بعد ذلك، أثارت بيانات حديثة صادرة عن تجربة في الأرجنتين الآمال في أنه حال استخدام البلازما، مع وجود كميات كبيرة من الأجسام المضادة في وقت مبكر بما يكفي، عندما تكون العدوى ذاتها ما تزال نشطة، قد يحدث ذلك فارقاً لافتاً.
ولسوء الحظ، وقعت منذ ذلك الحين انتكاسة أخرى خطيرة للغاية. إذ كانت تجربة «التعافي» سالفة الذكر الجارية في المملكة المتحدة تقارن بين علاج «ريجينيرون» بالأجسام المضادة والبلازما عبر مجموعة كبيرة للغاية من المرضى، ما يضفي على البيانات قوة كبيرة. وأظهرت النتائج الصادرة، عدم وجود اختلاف في معدلات الوفيات بين من تلقوا البلازما والذين تناولوا دواء وهمياً، لكننا ما نزال بحاجة للاطلاع على منشور مفصل بالنتائج، كي نتمكن من الحكم على ما إذا كانت هناك تفسيرات أخرى محتملة للنتيجة. إلا أنه إذا كانت هذه النتيجة مؤكدة، فإن هذا يعني على الأقل أننا لن نهدر مزيداً من الوقت والمال في علاج المرضى بدواء غير فعال.
اليوم، ربما تلوح في الأفق نهاية الجائحة، وبافتراض أننا نجحنا في السيطرة على معدلات العدوى، وتطوير متغيرات جديدة، تبقى أمامنا عدة أشهر. ولحسن الحظ، كلما عرفنا أكثر عن الفيروس، اقتربنا أكثر من ابتكار علاجات مفيدة، وبإمكاننا اليوم الحصول على كل المساعدة المطلوبة للوصول إلى غايتنا المنشودة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»