شارل جبور
TT

رداً على رضوان السيد

تشكل كتابات الأستاذ رضوان السيد قيمة مضافة فعلية وحقيقية لكل قارئ أو باحث عن مقالة تزاوج بين العمق الفكري والفلسفي والديني والجرأة السياسية. وقد أثبت في كتاباته أنه لا ينحاز إلا إلى قناعاته، فلا صديق أو حليف له إلا من يتقاطع معه في الثوابت الوطنية، وهو لا يهادن «فلان» أو يخاصم «علتان» على خلفية مذهبية أو طائفية، إنما يهادن أو يخاصم على أساس موقف سياسي أو تموضع وطني.
وفي مقالته الأخيرة في «الشرق الأوسط» في اليوم الأول من هذه السنة، والتي حملت عنوان «المشكلة اللبنانية وحلولها العجائبية!»، اعتبر أن حل الأزمة اللبنانية «يبدأ حقاً باستقالة رئيس الجمهورية أو إقالته، ولا يستطيع ذلك غير المسيحيين»، ورأى أنه «لا بد من الخلاص من هذه العقدة وهذا الوهم، أن الرئيس المسيحي لا يصح التعرض له أو ينهار النظام»، وانتقد الحل الذي يقترحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عن طريق الانتخابات المبكرة التي تعيد إنتاج كل السلطة، وذكَّره بواقعة أن فريق «14 آذار» كان يمتلك الأكثرية النيابية منذ عام 2005، ولم يتمكن من تحقيق أي شيء؛ لأن الفريق الآخر غير المؤمن بالمؤسسات لا يتردد في إقفال مجلس النواب منعاً لاستخدام الأكثرية ضده. وتوجه مولانا إلى الدكتور جعجع قائلاً: «كم ستكسب أنت المعارض الكبير في انتخابات بالقانون الحالي نتيجة انهيار التيار العوني: خمسة نواب زيادة على نوابك الخمسة عشر، أو عشرة نواب؟»، وأضاف: «ولو فاز تحالفكم المعارض، فما هناك أسهل من إقفال مجلس النواب هذه المرة إلى الأبد؟!».
وتندرج معظم مقالات مولانا رضوان في إطار البحث عن كيفية الخروج من الأزمة اللبنانية، ونتقاسم وإياه هذا الهم الوطني مع انزلاق لبنان إلى قعر الهاوية بسبب تغييب الدولة. وعلى رغم اتفاقنا ومولانا على تشخيص الأزمة والحلول النهائية التي من المفترض الوصول إليها، والمتمثلة بالالتزام بالشرعية اللبنانية والعربية والدولية، فإننا نتباين معه في الأولويات الراهنة بين ما نراه نحن عن طريق الانتخابات المبكرة، وما يراه الأستاذ رضوان من خلال إسقاط رئيس الجمهورية.
أولاً، لسنا من فئة الناس التي لديها عقدة أو وهم عدم التعرض لموقع رئاسة الجمهورية أو أي موقع آخر، ونعتبر أن إرادة الناس تعلو ولا يُعلى عليها، ولا تقف أمامها خطوط حمر من هنا أو من هناك، كما أن مجرد وجود بعض الشخصيات في بعض المواقع يشكل بحد ذاته ضرباً لهذه المواقع وانتقاصاً من دورها.
ثانياً، لا تتمسك «القوات اللبنانية» إطلاقاً ببقاء الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري، والدليل مقاطعتها لهذا الرئيس ولكل الأكثرية الحاكمة، ورفضها الدخول في أي حكومة مع هذا الفريق، واعتبارها أنه لا يوجد أي فرصة للإنقاذ مع هذا الفريق المجرب، والذي على طريقة المثل الشعبي: «اللي بِجرب المجرب عقله مخرب»، وبالتالي هل من موقف أوضح من هذا الموقف الرافض أي تعاون مع الفريق الحاكم، والذي يعتبر أن المدخل للتغيير يبدأ في تغيير الأكثرية الحاكمة؟
ثالثاً، يقول مولانا إن الفريق الآخر سيعمد بقوة الأمر الواقع إلى تعطيل الأكثرية الجديدة. ومن قال أساساً إنه سيسمح بإسقاط حليفه في القصر الجمهوري بقوة الأمر الواقع نفسها؟
رابعاً، لو سلمنا جدلاً - لضرورات البحث والنقاش ليس إلا - بأن إسقاط الرئيس عون قد تم وتحقق فعلاً، فإن الأكثرية النيابية الحالية ستلتئم لانتخاب الرئيس الجديد، والذي لن يختلف بتوجهاته عن الرئيس الحالي، بينما تغيير هذه الأكثرية يفتح الطريق أمام انتخاب رئيس لا ينتمي إلى توجه «حزب الله» السياسي.
خامساً، إن ميزان القوى المؤسساتي يكمن في مجلس النواب وليس في أي مكان آخر، باعتبار أن المجلس ينتخب رئيس الجمهورية ويكلِّف رئيس الحكومة، وتتشكل الحكومات على أساسه، وبالتالي الهدف الأساس الذي يشكل مدخلاً لتغيير كل السلطة هو مجلس النواب وليس أي موقع آخر.
سادساً، إن رفض الفريق الحاكم في لبنان الذهاب إلى انتخابات مبكرة يشكل دليلاً قاطعاً على خشية هذا الفريق من الانتخابات ونتائجها، وتمسكهم بالمجلس النيابي الحالي هو من أجل مواصلة إمساكهم بمفاصل السلطة، وصولاً إلى التمديد للمجلس الحالي، من أجل أن ينتخب رئيساً جديداً للجمهورية من صفوفه.
سابعاً، لا يجب التعامل مع الانتخابات النيابية من زاوية تحسين مواقع فقط، بزيادة نواب هذا التكتل وتراجع ذاك التكتل، على رغم أهمية ما ستفرزه من وقائع جديدة، إنما كون أي انتخابات ستأتي ترجمة لانتفاضة الناس على أثر صحوة انتفاضة «17 تشرين»، هذه الصحوة بالذات التي حاولت الأكثرية الحاكمة إجهاضها وضربها وفرملة اندفاعتها.
ثامناً، لا يمكن إسقاط ظروف أكثرية عام 2005 التي كانت لمصلحة الفريق السيادي في لبنان، والمعروف بقوى «14 آذار» على ظروف اليوم؛ لأن الصراع لم يعد محصوراً بين فريقي 8 و14 آذار، إنما بين فريق «حزب الله» من جهة، وكل الشعب اللبناني من جهة أخرى، بعد أن لمس هذا الشعب لمس اليد الكارثة التي حلت بلبنان بسبب سياسات «حزب الله».
تاسعاً، أي أكثرية جديدة ستكون مختلفة حكماً عن أكثرية «14 آذار» السابقة؛ لأنها تكون قد اتعظت من مساوماتها وتنازلاتها، ولا شك في أنها ستوظِّف الأكثرية الجديدة بما يخدم مشروع الدولة في لبنان، وفي حال لم يحصل أي تغيير في سلوك الناخبين بعد كل الويلات والكوارث فعلى لبنان السلام.
عاشراً، المقاومة السلمية التي تقودها «القوات اللبنانية» تبدأ من فك الارتباط مع فريق «حزب الله» السياسي، وصولاً إلى الدعوة لانتخابات مبكرة تعيد إنتاج كل السلطة من دون استثناء، وحبذا لو يحذو حذوها كل من تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، بدءاً من رفض تشكيل أو تغطية أي حكومة مع فريق «8 آذار»، وصولاً إلى الاستقالة من مجلس النواب لإطلاق دينامية وطنية وشعبية جديدة تفتح باب التغيير الحقيقي؛ خصوصاً أن الظروف أكثر من مواتية محلياً وخارجياً لتغيير يعيد لبنان إلى الحاضنتين العربية والغربية.
وما تقدم لا يندرج في سياق التنظير السياسي ولا خلق الذرائع، إنما يدخل في إطار المنطق السياسي، ونتمنى أن نلتقي حول هذا المنطق مع مولانا رضوان السيد وغيره من الشخصيات التي نحترم تاريخها ونضالها من أجل لبنان السيد والحر والمستقل.