إيلي ليك
TT

في الاتفاق النووي... إسرائيل صاحبة الكلمة

عندما سُئِل الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس؛ متى ستنتهي الحروب في العراق أو أفغانستان؟ جاءت إجابته غريبة، بأن قال: «إن العدو هو صاحب الكلمة»، وهذا يعني أن الجانبين لا بد أن يتفقا على وقف القتال.
ثمة نتيجة طبيعية في قول بترايوس المأثور، والذي لا يتعلق بالحرب، بل باتفاقيات السلام، إذ يحصل الحلفاء أيضاً على حق التصويت. وفي سياق الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، يضم الحلفاء إسرائيل التي لم تكن طرفاً في الاتفاق، لكنها كانت مسؤولة على نحو شبه مؤكد عن اغتيال محسن فخري زاده، أحد كبار علماء الأسلحة النووية في إيران مؤخراً.
فقد رفضت إسرائيل مراراً وتكراراً التعليق على عملية فخري زاده التي حدثت بعد سلسلة من الأعمال التخريبية الإسرائيلية خلال الصيف ضد بعض من أكثر المواقع النووية حساسية في إيران. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، ذكرت التقارير أن فِرَقاً إسرائيلية قتلت نائب زعيم تنظيم «القاعدة» خارج طهران. وعندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعالم أن عملاء إسرائيليين سرقوا عدداً كبيراً من المخططات الإيرانية التفصيلية لبناء سلاح نووي في عام 2018، طالب الحضور بتذكر اسم فخري زاده، وكشف عن مذكرة من هذا العالِم الإيراني، تذكر تفصيلاً الأنشطة النووية السرية.
ومنذ ذيوع هذا الخبر، أصدر «الاتحاد الأوروبي» وكثير من المسؤولين السابقين في إدارة باراك أوباما إدانات في هذا الصدد. على سبيل المثال، قال جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، إنه إذا كانت هناك دولة أجنبية مسؤولة فإن ذلك سيكون «عملاً إرهابياً ترعاه الدولة». لكن ذلك ينطوي على قصر نظر، إذ يشكل سعي إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية تهديداً وجودياً لإسرائيل ودول الخليج العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة. فليس الأمر أن إيران سوف تشن الضربة الأولى ضد واحدة من هذه الدول، بل إن ردع إيران عن امتلاكها لسلاح نووي لن يكون أكثر صعوبة من مجرد قيام إيران بأي عمل آخر يزعزع الاستقرار، مثل دعم الإرهابيين، وتسليح المتمردين الإقليميين، وبناء قدرات صاروخية بعيدة المدى.
وبهذا المعنى، من الخطأ أن ننظر إلى الضربة الإسرائيلية المرجحة ضد فخري زاده من خلال عدسة تأثيرها على هدف الرئيس المنتخب جو بايدن، في إعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني والتفاوض على اتفاق مراقبة أقوى.
لقد أثبتت إسرائيل بالفعل أنها تمتلك قدرات استخباراتية غير عادية داخل إيران، إذ إن الفرص المتاحة لتحقيق هدف بقيمة فخري زاده لا تأتي كثيراً، والأمر الأكثر ترجيحاً هو أن الفرصة قد سنحت وإسرائيل اقتنصتها.
الأمر الأكثر أهمية هو أن إسرائيل أظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة استعدادها لاستخدام قدراتها الاستخباراتية لإحباط البرنامج النووي الإيراني. فقد قتلت إسرائيل بعض العلماء النوويين داخل إيران أثناء المفاوضات بشأن البرنامج النووي. في ذلك الوقت كان غالبية المراقبين يعتقدون أن الفرصة الوحيدة المتاحة لإسرائيل لتدمير البنية الأساسية النووية الإيرانية، لن تتوفر إلا في إجراء علني مثل شن ضربة صاروخية أو شن هجوم بطائرات بدون طيار أو شن غارات جوية بالقنابل. وتشير التفجيرات التي وقعت في المواقع الإيرانية خلال الصيف إلى أن إسرائيل قادرة على إنجاز كثير من ذلك في هذا الصدد من خلال عمليات استخباراتية.
والنتيجة هي أن أي اتفاق في المستقبل مع إيران لا بد أن يلبي احتياجات إسرائيل الأمنية. لكن لم يكن هذا ما حدث قبل 5 سنوات، فقد باتت التوترات المتعلقة بالصفقة النووية مأساوية إلى الحد الذي جعل نتنياهو في عام 2015 يلقي كلمة خلال جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي لعرض الحجج ضد الاتفاق الذي تفاوض أوباما بشأنه. وكان نتنياهو على استعداد للمجازفة بأعظم تحالف لإسرائيل لمعارضة اتفاق كان يعتقد أنه يعرض مستقبل بلاده للخطر. لذا من غير المرجح إلى حد كبير أن تكون إسرائيل على استعداد لإنهاء أنشطتها في إيران حتى تتمكن الولايات المتحدة من العودة إلى الانضمام إلى نفس الاتفاقية النووية المعيبة إلى حد كبير.
وقد وافقت إسرائيل على عدم شن أي ضربات لفترة محددة، مثل الأشهر القليلة الأولى لإدارة بايدن. ولكنها لن تتخلى عن القدرة على توجيه ضربة إلى داخل إيران ما لم توافق إيران على التخلي عن جوانب برنامجها النووي لتصنيع القنابل. وإذا كان بايدن مدركاً لما حوله بما فيه الكفاية فسوف يستخدم هذه الديناميكية لصالحه بينما يختبر استعداد إيران للتفاوض.
لم تدمر عمليات التخريب والاغتيالات التي تنفذها إسرائيل البرنامج النووي الإيراني، لكنها أعادته إلى وضعه السابق. وسيكون من الصعب إيجاد بديل لمهندس هذا البرنامج فخري زاده، لكن الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة للنظام يتلخص في إقناع علمائه الآخرين أنهم سيكونون في أمان إذا استمروا في السعي لإنتاج سلاح نووي.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»