جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الكوبيون وقانون «القدم المبللة»

«القدم المبللة.. القدم الجافة» هذا هو الاسم الذي أطلق نتيجة مراجعة قانون الهجرة الكوبية عام 1966، الذي كان ينص على منح المهاجر الكوبي غير الشرعي حق الإقامة في الولايات المتحدة، ما إذا تمكن من الوصول إلى السواحل الأميركية، وبعد عام على وصوله إلى البلاد كان يمنح ذلك المهاجر الجنسية الأميركية، ولكن وفي ظل إدارة الرئيس بيل كلنتون تم تعديل القانون، وبذلك منع المهاجرون من دخول الولايات الأميركية في حال تم ضبطهم في وسط البحر، وفي حال وجد المهاجر في البحر بين كوبا وأميركا يتم إرساله إلى بلاده أو إلى بلد ثالث، وهذا ما يعرف بسياسة «القدم المبللة»، أما سياسة «القدم الجافة» فتطبّق على المهاجرين الذين حالفهم الحظ، ووصلوا الى شاطئ الأمان الأميركي بانتظار تحقيق الأمنيات والعيش حياة رغيدة.
مسألة الهجرة غير الشرعية ليست بجديدة ولا تطال الكوبيين فقط، لا بل إنها معضلة إنسانية تعاني منها شعوب المعمورة، يذهب ضحيتها الصغار والرضع، النساء والرجال.
سمعت عن هذه القصص مرات عدة، ولكن عندما شاهدت هذه المسألة بعيني، كانت ردة فعلي مختلفة، الخبر في الصحيفة أو على شاشة التلفاز لا تعبر عن حقيقة المشكلة، ويأس هؤلاء المهاجرين الذين يخاطرون بأرواحهم من شدة مرارة العيش في بلادهم، وبصراحة لا يمكننا أن نلومهم، فليس أمامهم ما يخسرونه، فالموت قد يكون أرحم.
ما شاهدته منذ يومين وأنا على متن باخرة عملاقة بمثابة فندق من فئة خمس نجوم عائم، جعلني أفكر مرتين في مسألة القدر والحظ في الحياة، كانت الباخرة التابعة لأسطول «رويال كاريبيان» في وسط المحيط في طريق العودة من منطقة الكاريبي إلى مرفأ لودرديل في الولايات المتحدة ، وكانت النشاطات على متن الباخرة تجري بخير، والركاب الذين يزيد عددهم عن أربعة آلاف راكب كانوا يعيشون لحظات لا تنسى، إلى أن قام قبطان الباخرة بالإعلان عبر مكبرات الصوت بأن هناك مركبا وعلى متنه مجموعة من المهاجرين (على ما يبدو)، ويحتم قانون البحار بأن يعلم القبطان مكتب خفر السواحل للتعاطي مع المسألة، وما أن سمع بعض الركاب الخبر ركضوا إلى الطابق الأخير للاطلاع على الوضع، ولم أتمالك من الإثارة فكنت من بين الذين تركوا كل ما يجري على متن الباخرة لمشاهدة المركب الصغير، فراح البعض يقول إنهم قراصنة فدب الذعر في صفوف بعض الركاب، ليتبين بعدها بأن تسعة كوبيين يائسين قاموا بتجميع قطعا من الخشب ليصنعوا منه مركبا صغيرا، المركب صغير الحجم لدرجة أنه ليس من الممكن أن يكون هناك حيّز لتخزين المأكولات، وبعد ارسال مركب تابع لسفينتنا لتقصي حقيقة الوضع، أعلمنا القبطان بأن المهاجرين هم من كوبا فعلا، وهم بصحة جيدة وقالوا: «نحن لا نريد منكم غير إعلامنا باتجاه أميركا».
وبعد انتظار وصول مركب خفر السواحل الأميركية، وفي عملية بوليسية أشبه بأفلام هوليوود، تم القبض على هؤلاء الكوبيين لإرجاعهم من حيث أتوا. وحينها كان الظلام الدامس يلقي بظله على المحيط الذي كانت أمواجه العاتية تهز هيكل سفينتنا العملاقة، فما بالك بحال هذا المركب الصغير!؟
الوضع كان محزنا جدا، خاصة أن آلاف المسافرين على متن الباخرة كانوا ينعمون بالدفء والطعام والشراب والنشاطات، في حين كان هؤلاء البؤساء يبحثون عن شاطئ الأحلام والصقيع يأكل أجسادهم.
وانتهى المشهد بقانون «القدم المبللة» وانتهت رحلة أحلامهم هنا.