مارتن إيفينز
TT

بايدن وبوريس جونسون... دبلوماسية أم صداقة؟

لا تفصلنا عن الانتخابات الأميركية سوى أسبوعين، وبدأ أصحاب الآراء التشاؤمية تجاه علاقة أميركا بالمملكة المتحدة بعد رحيل ترمب يظهرون على الساحة بقوة. إن جو بايدن «أميركي من أصل آيرلندي، ولا يكنّ محبة خاصة لبوريس جونسون، أو بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي». ويتوقع بعض المحافظين أن فوز مرشح الحزب الديمقراطي سوف يمثل كارثة بالنسبة للبريطانيين، وينهي تلك العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة.
من الرائج تصوير جونسون كنموذج شعبوي مصغر من ترمب، لكن لحسن الحظ سيكون لدى فريق السياسة الخارجية المخضرم ذي الخبرة الكبيرة، الذي يعمل مع بايدن، رؤية أكثر حنكة. هناك احتمالات قوية لاستمرار الشراكة بين الحليفين القديمين رغم ضرورة أن يأتي غصن الزيتون من لندن. إذا اختار الأميركيون الرئيس بايدن في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، سيتعين على البريطانيين حينها الانخراط بنشاط وحماس مع بيت أبيض يقيم فيه الديمقراطيون.
على الجانب الآخر ستكون هناك منافع ومزايا للتعامل مع إدارة تتعهد ثانية بدعمها لمنظمات مثل حلف شمال الأطلسي، والأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والاتحاد الأوروبي. مع ذلك ستصاحب تلك المزايا بعض المثالب والسلبيات، حيث سيلحق الضرر المرجح بآمال إبرام اتفاق تجاري سريع بين البلدين، في وقت يمثل فيه ذلك قوام وأساس سياسة التجارة الخارجية التي يتبناها جونسون. سوف يكون لفريق التفاوض الديمقراطي أولويات مختلفة، حيث ستكون الأولوية للمعايير الخاصة بالعمل وقضايا البيئة.
مع ذلك لا ينبغي التقليل من شأن المنافع التي ستعود على العمل الدبلوماسي في منطقة الأطلسي بعد الاضطرابات والخلافات التي سادت خلال الأربعة أعوام الماضية. لم يكن مسار العلاقة الخاصة سلساً بشكل حقيقي، والنظر إلى جونسون وترمب كشخصين متقاربين منتمين للتيار الشعبوي أمر أبعد ما يكون عن الصورة الكاملة، فرغم إعجاب ترمب بالمملكة المتحدة، تصادم مع لندن بشأن إيران، وتنمر على حليفه بشأن التجارة مع الصين. كذلك حذر ممثل للولايات المتحدة البريطانيين مؤخراً من إلغاء ترتيبات الـ«بريكست» المتعلقة بالحدود الآيرلندية.
بطبيعة الحال كان بايدن ليفضل بقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي لتكون بمثابة مفصل بين الكتلتين الاقتصاديتين الكبيرتين على جانبي الأطلسي. سيتعين على بايدن أن يكون أكثر وداً مع بروكسل، وإذا قابل بايدن أنجيلا ميركل، أو إيمانويل ماكرون قبل مقابلته لجونسون، سوف يتم اعتبار هذا الأمر تجاهلاً. مع ذلك لدى لندن بطاقات يمكن استخدامها في إطار لعبة أكبر.
كذلك كان هناك شعور بالقلق عندما بدا أن جورج بوش الأب يقرّب إليه هيلموت كول، المستشار الألماني حينها، ويجعله شريكه الأوروبي المفضل، بدلاً من جون ميجر، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك. مع ذلك اتجه بوش نحو بريطانيا حين احتاج إلى حليف دبلوماسي وعسكري خلال حرب الخليج الأولى.
ويدرك بايدن بوصفه واحداً من الصقور قيمة تلك الالتزامات. وقد ابتعدت ألمانيا، حتى في ظل حكم ميركل واثقة الخطى، عن الولاء الصريح لحلف شمال الأطلسي. وازدادت أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة.
على الجانب الآخر من المحتمل أن تمثل آيرلندا ووضع الحدود مع آيرلندا الشمالية بعد اتفاق الـ«بريكست» حجر عثرة. ويمنح بايدن أهمية كبيرة لأصوله الآيرلندية من جهة والدته؛ حيث يرى متشائمون أن إدارة ديمقراطية سوف تخضع لجماعة الضغط الآيرلندية في الكونغرس فيما يتعلق بالنزاعات والخلافات الخاصة بالحدود، وإن كان ذلك مؤقتاً، «ففي النهاية المملكة المتحدة أهم بالنسبة لأميركا من آيرلندا» على حد قول لويس لوكينز، وهو دبلوماسي أميركي بارز سابق في لندن.
مع ذلك تقع مسؤولية ازدهار العلاقة على عاتق البريطانيين، حيث سوف ينشغل الرئيس كثيراً بأزمة (كوفيد - 19)، ولن يكون لدى البيت الأبيض متسع من الوقت لمسؤولي الاتصال الخارجيين، لكن سوف تساعد العلاقات القوية بين استخبارات وجيشي ودبلوماسيي البلدين في إنجاح الأمر.
تتكهن كارين فون هيبل، المديرة الأميركية لـ«المعهد البريطاني الملكي للخدمات المتحدة»، بأن فريق بايدن «سوف يبدي تواضعاً بعد رحيل ترمب، بعد التعامل بعدم احترام مع جاستن ترودو، وميركل، وتيريزا ماي، حيث يعتقدون في أهمية الشراكة، واستعادة النظام العالمي. ولطالما كان لدى بريطانيا فرصة للتأثير على سير ذلك الأمر».
كذلك تمتلك بريطانيا ثقلاً كبيراً بفضل عضويتها الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وما لديها من أصول عسكرية، وشبكة مساعدات أجنبية.
وقد يكون التوافق مع المشروعات المفضلة للرئيس الجديد مثمراً أيضاً. وتستضيف المملكة المتحدة خلال العام المقبل مؤتمراً دولياً مؤجلاً خاصاً بالتغير المناخي؛ ومن المرجح أن تتخذ إدارة بايدن موقفاً مغايراً لموقف ترمب العدائي تجاه اتفاقية باريس، لذا ينبغي على جونسون التفاخر بإنجازاته في مجال البيئة، حيث ورثت حكومته من ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق، جدول أعمال مميزاً فيما يتعلق بمجال البيئة.
كذلك من المفترض أن ترأس المملكة المتحدة مجموعة الدول السبع خلال عام 2021 في وقت لا يزال يوجد فيه تهديد كبير من جانب موسكو. وقد سعت ماي، سلف جونسون في المنصب، نحو الحصول على دعم كبير واسع النطاق بعد اغتيال الروس لسيرغي سكريبال بالسم داخل الأراضي البريطانية. وقد تم فرض عقوبات على الدائرة المقربة من فلاديمير بوتين بالتعاون مع أميركا؛ وينبغي على جونسون التعاون مع أي إدارة في حال انتخاب بايدن من أجل دعم الدول الحلفاء وتعزيزها داخل حلف شمال الأطلسي.
كذلك هناك حاجة إلى التوصل إلى توافق بشأن الموقفين الأميركي والأوروبي تجاه إيران والصين بعد الخلافات المدّوية مع ترمب. وتستطيع لندن تولي دفة القيادة في هذا الشأن؛ وإذا كان لدى جونسون الإرادة، يمكن للأصول الاستراتيجية للمملكة المتحدة أن تساهم في نجاح الأمر.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»